"حبّ في ظلّ الحرب" لأوليفييه جاكموند: موت العائلة.. موت الفرد

09 مارس 2025
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدور الرواية حول قصة حب معقدة بين أنطوان الفرنسي وإستير اللبنانية خلال الحرب الأهلية في لبنان، مستعرضة التباين الثقافي بين الشرق والغرب.
- تستكشف الرواية الشخصيات الثانوية مثل إيفان ونديم، مما يضيف عمقًا من خلال تفاعلها مع الشخصيات الرئيسية، ويعكس التباين الثقافي والنفسي بين المجتمعين.
- تبرز الرواية الفوارق الثقافية والاجتماعية بين المجتمعين اللبناني والفرنسي، حيث يمثل الحب بين إستير وأنطوان محورًا للاختلاف بين الثقافتين، مع التركيز على تأثير هذه الفوارق على العلاقات الشخصية.

"حُبّ في ظلّ الحرب" عنوان رواية أوليفييه جاكموند الصادرة بالفرنسية. الحرب هي الحرب الأهلية في لبنان، والحُبّ يعقد بين أنطوان، فرنسي صادف وجوده في لبنان أثناء الحرب، وبين إستير اللبنانية. حُبّ يدفعه الظرف اللبناني العاصف إلى العودة إلى بلده فرنسا، لكنه، وهو الرسّام، يعمل على لوحات تستوحي الحرب اللبنانية. لوحات تستلفت صاحب غاليري، يعده بعرضها في موعد متأخّر. 

خلال ذلك يعاود أنطوان المجيء إلى لبنان. هذه المرّة ينتظره، بحسب التقاليد اللبنانية، زواج ينتقل بعده مع إستير إلى فرنسا. هناك يدأب على عمله الفنّي، لكن معرضه لا ينجح رغم مهارته، خلال الوقت تغيّر المزاج الفنّي، ولم يعد يناسب عمله. سنتعرّف إلى إستير اللبنانية التي تحمل اندفاع ومثالية فتاة من الشرق، فيما يحمل أنطوان الفرنسي، صبر وانتظام وجوّانية أوروبي. هنا نجد أن لبنانية جاكموند تعمل، فاتنا أن نُشير إلى أن الروائي، كما نقرأ على غلاف روايته الأخيرة، من أصل لبناني فرنسي، وأن الرواية تستعيد، على نحو ما هذه اللبنانية المكبوتة. لا نتعرّف على فرنسي ولبنانية فحسب، وإنما نجد أنفسنا أمام مقابلة بين الاثنين، تنفذ إلى ثقافتيهما وإرثهما النفسي وقيمهما ومزاجيهما. 

نحن هكذا، مرّة أُخرى، بين الشرق والغرب. هذه المقابلة تستدعي شخصيات ثانية، ومن طبيعة أُخرى. هكذا نجد أنفسنا أمام إيفان أخ أنطوان المرتدّ عن النمط الفرنسي، الذي نجد أمثاله في بلده، إنه تقريباً متشرّد "كلوشار" الذي يرفض العمل، ويعيش على هواه. هناك مقابل إيفان الفرنسي في شطحه وتطرّفه، نديم اللبناني من أصل فلسطيني وهذا شخصية مباغتة. إنه تقريباً الشرقي الذي ينهل من تراث ديني يحمله إلى ما يشبه التصوّف. نديم، الذي يظهر في حياة أنطوان وإستير، والذي هو في البدء صاحب عمل إستير في البنك، لكننا مع ذلك، لا نعثر عليه شخصيةً اقتصاديةً. نعثر عليه عرفانياً قادراً على كشف الأسرار والوقائع كلّها. إنه يعرف أهل إستير، ويعرف أسرارهم، بل هو يعرف الورقة التي تركها غسان بين يديه ليحتفظ بها، والتي هي سرّه الأصلي وعُمدة حياته. 

شخصيات تجتمع فيها أمزجة ومواريث نفسية وقيم متباينة

بلغ من صوفية فلسطين، التي تذهب إلى طغيان الروح، بحيث يمكن اعتبار الجريمة نفسها أمراً روحانياً. المتشرّد والمتصوف من ناحية، بينما في لبنان، وعمشيت اللبنانية، غسان الذي هو صورة اللبناني الوارث، ابن العائلة، والذي يناور ويتقلّب في سياسته. مع غسان هناك سائقه نبيل، الذي يمثّل بقوّة شخصية التابع اليقظ المندمج في شخصية معلّمه. هناك إذن شخصيات لبنانية وأُخرى فرنسية، والكاتب لا يكفّ عن مقابلتهما عن بعضهما بعضاً.

هناك، إلى جانب ذلك، اختلاف الشعبَين في تقاليدهما وقيمهما بدءاً من نمط الحياة، كتلك المقابلة بين المائدة الفرنسية والمائدة اللبنانية، ثم هناك تقاليد العرس التي تجمع عند اللبنانيّين، بين الرقص والندب. ثمّة بطبيعة الحال هذا التبايُن بين مجتمع عائلي وآخر فردي. جاكموند الذي يعرف جيداً البيئتَين، لا يغفل عن الفوارق بينهما، بل ويقف مليّاً عندها. هو المتعمّق في ذلك، يُحسن أن يواجه بين المجتمعَين وثقافتيهما. الحُبّ طبعاً محور اختلاف بين الطرفين، إنه لدى إستير غيره عند أنطوان. 

هكذا نفهم كيف تلتزم إستير بصلتها بأنطوان، رغم ما تتلقّاه من عروض، وما ينحدر إليه أنطوان ماليّاً ومهنياً. هنا يُمكن أن يوازن بين الشرق والغرب، لكن ثمّة ما يُوحي هنا، بأن الشرق حاضر بتراثه وبأسطورته. إستير هنا تكاد تكون هذه الأسطورة، إن حُبّها لأنطوان يستمدّ من هذا السحر القديم، من هذا المثال الماضي. لكن هناك، في الجانب الآخر، لدى شخصيات رجالية لبنانية كغسان ونبيل، ما يستحضر المناورة وثقل الإرث واللاعب السياسي، بل والغشّ أو ما يشبه الغشّ. هنا يختفي السحر الشرقي، أو يترك مكانه للافتضاح والانحدار. هناك من الجهتين شخصيتان متباينتان وطرفيتان، إيفان المتشرّد ونديم الصوفي. الشخصيّتان تختفيان كأنهما حضرتا إلى الرواية بوصفهما ضيفين فيها. هناك سحر الشرق وسحر الغرب، اللذان لم يعد لهما سوى هذا الحضور الباهت، الذي يقارب الاختفاء.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون