استمع إلى الملخص
- يناقش الكتاب الجدل بين استقلال الجماليات عن الأخلاق في التقليد الفرنسي والميل الأنغلوساكسوني لأخلاقية الإبداع، مع التركيز على هوية المؤلف داخل نصه وتأثير سلوكه الشخصي على تقييم أعماله.
- تقدم سابيرو تحليلاً متوازناً بين النصوص الأدبية وسياقها الاجتماعي والسياسي، مشيرة إلى أن المسؤولية الأخلاقية للمؤلف تُفهم ضمن شبكة العلاقات الثقافية، دون تقديم إجابة قاطعة حول إمكانية فصل العمل عن مؤلفه.
هل يُمكن النظر إلى العمل الفني أو الأدبي بوصفه كياناً مستقلاً عن صاحبه؟ أم أنّ حياة المؤلف ومواقفه وسلوكياته تُلقي بظلالها بالضرورة على نصوصه؟ تساؤلات تطرحها الباحثة الفرنسية جيزيل سابيرو في كتابها "هل يمكن فصل العمل عن مؤلفه؟" الذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن دار الكتاب الجديد المتحدة، وترجمه عن الفرنسية إدريس الخضراوي.
في مقدمة الترجمة العربية، توضّح المؤلفة أنّ الدافع وراء الكتاب ليس الدفاع عن حقوق المرأة بصفة عامة، بل تحليل طبيعة الانتهاكات في الوسط الثقافي والفني، والتمييز بين النقد الأخلاقي والمقاطعة. وتشير إلى أنّ الرفض الشعبي لعملٍ ما بسبب سلوك مؤلفه لا يشبه الرقابة المؤسسية أو الدينية، لأنّه لا يصدر عن سلطة، بل عن وعي جماعي بحق الاختيار والمسؤولية.
تقول سابيرو إن فكرة الكتاب وُلدت بطلب من دار النشر الفرنسية "سوي"، في أعقاب سلسلة من القضايا التي شغلت الرأي العام الثقافي بين عامَي 2019 و2020، مثل جدل منح جائزة نوبل لبيتر هاندكه، وجائزة سيزار لرومان بولانسكي. غير أن ما بدأ ردّ فعل على وقائع آنية، تحوّل إلى عمل نظري متماسك، وامتداد طبيعي لمشروع سابيرو البحثي الممتدّ منذ عقدين حول أخلاق المبدع ودوره في الفضاء العام.
الرفض الشعبي لعملٍ ما بسبب سلوك مؤلفه لا يشبه الرقابة المؤسسية
تبدأ سابيرو من فوكو وشاول كريبكه، وتصل إلى سارتر وفيبر وبورديو، متوقفة عند البعد القانوني للمسؤولية، ومفهوم "حقوق المؤلف" في فرنسا، والجدل بين التقليد الفرنسي القائم على استقلال الجماليات عن الأخلاق، والميل الأنغلوساكسوني إلى أخلاقية الإبداع. من هنا يتفرع النقاش حول هوية المؤلف داخل نصه، وحدود المقاربة التي تسمح بإرجاع القول إلى قائله أو فصله عنه. وتضع المؤلفة تطبيقات واقعية لقضايا "الكتّاب الفاضحين"، الذين ارتبطت أسماؤهم بجرائم أو مواقف سياسية وأخلاقية مثيرة للجدل.
تدرس سابيرو حالات مثل رومان بولانسكي وغابرييل ماتزنيف، وتقارن بينهما من حيث حضور الفعل في العمل نفسه، لا خارجه، ثم تتناول الكاتب هاندكه وهايدغر وبلانشو وغراس وغيرهم، لتبيّن كيف يتفاوت أثر السلوك الشخصي في تقييم النصوص. وتستدعي المؤلفة حالات أخرى، مثل الفرنسي شارل موراس، لتناقش شرعية الجوائز أو الاحتفاء الرسمي الذي يُمنح لمبدعين متهمين بالعنف أو التمييز، معتبرة أن هذه الجدالات تعبّر عن وعي نقدي متجدد لا عن نزعة إلغائية.
وتغني سابيرو النص بإشارات دقيقة إلى مصادر ومراجع حديثة، وصولاً إلى مقالات نشرتها أثناء الحجر الصحي الأول عام 2020، مما يمنح العمل نبرة راهنة دون أن يُسقطه في المباشرة.
اللافت في هذا العمل هو التوازن بين التحليل الداخلي للنصوص الأدبية؛ من حيث اللغة والصوت السردي وتمثّل الذات، وبين التحليل الخارجي للسياق الاجتماعي والسياسي. فالمسؤولية الأخلاقية للمؤلف لا تُفهم إلا ضمن شبكة العلاقات التي تربط الحقول الثقافية ببعضها، وبالسلطة والجمهور، وليس عبر عزله في برجٍ من ضمير فردي أو ذنب شخصي. لذلك، لا تقدّم سابيرو إجابة قاطعة على سؤالها المركزي، بل إجابة مزدوجة: "نعم ولا"، وهي إجابة تتجاوز التردد نحو الوعي النقدي، وترفض الحسم الأخلاقي كما ترفض التبرير الجمالي.