جان هارامبات.. "جمهورية" أفلاطون في قصّة مصوّرة

جان هارامبات.. "جمهورية" أفلاطون في قصّة مصوّرة

30 أكتوبر 2021
تفصيل من غلاف الكتاب الصادر حديثاً لدى منشورات "مجلّة فلسفة" الفرنسية
+ الخط -

يبدو حقلا الفلسفة والقصص المصوّرة، للوهلة الأولى، شديدَيِ البُعد، إذ يُعرَف الأوّل بجدّيةٍ كبيرة في التعامل مع الظواهر، فيما تُشتَهَر كتب القصص المصوّرة بكونها تخرج، في الغالب، من لغة الجدّ إلى عوالم الهزل أو السخرية، لتتناوَل موضوعها من زاويةٍ فكاهية تجعل القارئ ينظر إلى الأمور بشكل آخر.

على أنّ بعض فناني القصص القصيرة، وأحياناً بالتعاون مع مفكّرين وباحثين، سَعَوا في السنوات الماضية إلى التقريب بين هذين العالمين في فرنسا، حيث نُشرت عناوين من شأنها تبسيط الفلسفة لغير المطّلعين عليها، وهو ما فعله، على سبيل المثال، أستاذ الفلسفة نيكولا تينايّون مع الرسّامة هيلين زاير في كتابة "فيلوسوفيا: تاريخ للفلسفة في شريطٍ مصوّر"، أو ما فعله المفكّر الشاب، المعروف إعلامياً، شارل بيبان، حيث تعاون مع الرسّام، المعروف هو الآخر في فرنسا، جول، ليُصدرا معاً الشريط المصوّر "كوكب الحُكماء: موسوعة عالمية للفلاسفة والفلسفات"، الذي عُني بتقريب مقاصد أشهر الفلاسفة، من إغريقيين وعرب وأوروبيين وغيرهم، بلغةٍ سهلة وساخرة، إلى جانب رسومات فُكاهية.

ضمن هذا التصوُّر يأتي كتاب استعادة مؤلّف القصص المصوّرة والرسّام جان هارامبات (1976) لكتاب "الجمهورية" لأفلاطون في قصّة مصوّرة، صدرت حديثاً عن منشورات "مجلة فلسفة" في باريس، وهو ما يُعطي العمل جِدّيةً قد تفوق سابقيه، لكونه يتناول، من جهة، واحداً من أشهر الكتب في تاريخ الفلسفة، ويُنشَر لدى مؤسّسة تعرف مخارج الفلسفة ومداخلها.

الصورة
غلاف

يُسارع الناشر في إخبار قرّائه المحتملين بالقول إن الشريط المصوّر يبقى وفياً للكتاب الأصلي، من دون أن يخفي رغبته في جعله مُتاحاً بالنسبة إلى هؤلاء الذين يستصعبون الغوص في مئات الصفحات الحوارية التي يُعالج فيها أفلاطون، عبر شخصية سقراط وعدد من محاوريه، أسئلة السياسة، والتعليم، وحُكم المدينة، والمدينة الفاضلة، والعدالة، والفنون، والرغبة، والعديد من الموضوعات الفرعية الأخرى.

من جهته، يشير مؤلّف الكتاب إلى أنّ عمله لا يتمحور، كما جرت العادة في هذا النوع من الكتب، حول مغامرةٍ فيها الكثير من المغامرات والتطوّرات الدرامية، بل هو تقديمٌ لـ"مغامرة للعقل، يجب على المرء فيها أن يتمسّك بمعطف سقراط كي لا يقع". وللعثور على مكانٍ لاشتغاله ضمن العلاقة بين الرسوم المصوّرة والفلسفة، يقول هارامبات إنّه لا يمكن الفصْل بين البحث عن الحكمة، من ناحية، وضرورة اتّخاذ مسافة من الأمور، والتخلّي، ولو للحظة، عن أخذها على محمل الجدّ. 

ورغم جدّية "الجمهورية"، إلّا أن السُّخرية التي عُرف بها سُقراط ــ وهو الذي لطالما قدّم نفسه كابن قابلةٍ، وكشخص يهتمّ بتوليد الأفكار عبر التهكُّم وطرح أسئلة تبدو ساذجة ــ سهّلت المهمّة على جان هارامبات للوصول إلى خلطة مقنعة من الجدّ والهزل، باعتبارها الخلطة التي تميّز بها بطل كِتابه في تاريخ الفلسفة.

المساهمون