جان كورتو.. في التقريب بين الكتابة واللوحة

جان كورتو.. في التقريب بين الكتابة واللوحة

16 سبتمبر 2021
جزء من "تحية إلى ويليام بليك" لـ جان كورتو، 1985
+ الخط -

يكفي أن يقول المرء كلمات مثل "حروفيات" و"خطّاط" لتخطر في باله، أوّل الأمر، أعمالٌ من الخطّ والتشكيل العربي والإسلامي، أو من الاشتغالات القادمة من أقصى الشرق، حيث لطالما شكّل الحرف ورسمه موضوعاً أثيراً لدى رسّامين وخطّاطين رأوا فيه مساحةً للبحث عن الجمال أو للتعبير عنه، كما أُنه كان يُعتَبر ــ طيلة قرون ــ مرحلة أساسية على طريق كلّ مَن يريد العمل في الرسم والتصوير.

وعلى العكس من هذا، لم يشهد تاريخ الفنون البصرية الغربية تعلُّقاً يُذكَر بالحروفيات، إذ لطالما جرى الفصل بين التشكيل والرسم من ناحية، بوصفها مساحةً لتصوير الطبيعة أو الأشخاص والأحداث، وبين التخطيط من ناحية ثانية، وهي مهنةٌ لطالما جرى إلحاقُها بعالم نسخ الكتب، والنشر والمطبوعات.

من الفنانين الغربيين المعاصرين الذين كسروا هذا الفصل بين عالم اللون وعالم الحرف، يحضر التشكيلي والمصمّم الفرنسي جان كورتو (1925 ـــ 2018)، الذي تحتضن "مكتبة فرنسا الوطنية" بباريس، بدءاً من الثلاثاء المقبل، الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، معرضاً استعادياً لتجربته الفنية ومسيرته، يستمرّ حتى السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

يعود المعرض إلى بدايات الفنان المولود بالإسكندرية في مصر، حيث أظهر مبكّراً موهبةً في التصوير التشكيلي، ليحصد عام 1948 "جائزة الرسّام الشاب" في باريس، قبل أن يتميّز بين أبناء جيله بلوحاتٍ تُصوّر مشاهد طبيعية، وأشكالاً طبيعية، إضافة إلى بورتريهات، مستمرّاً في هذا التوجّه "الواقعي" حتى نهاية الخمسينيات.

ستعرف اشتغالات الفنان تحوّلاً نهائياً نحو التجريد مع سلسلة الأعمال التي سيضعها في نهاية الخمسينيات بعنوان "توافُق"، حيث سيحضر لأوّل مرة ذلك المزج الذي سيُعرَف به لاحقاً بين الألوان والأحرف، في أعمالٍ حاولت ردم الهوّة بين الريشة والقلم، بين اللون وبين الكتابة، منفتحةً على مختلف الأبجديات غير الأوروبية التي تمكّن كورتو من الاطّلاع عليها.

ويشير منظّمو المعرف إلى الخلفية التي جاءت منها هذه الرغبة في استضافة الكتابة داخل اللوحة، حيث يذكّر بيان "مكتبة فرنسا الوطنية" بتوجّه كورتو المبكّر نحو عوالم الأدب، وصداقاته مع كتّاب وشعراء مثل بول فاليري، وستيفان تسفايغ، وبول موران، وخصوصاً ريمون كينو وهنري ميشو، اللذين أثّرت أسئلتهما حول العلاقة بين اللغة والصورة على الطريق التي سيأخذها لنفسه في العقود اللاحقة.

المساهمون