"جائزة المغرب للكتاب": بين الحجب والغياب والمناصفة

16 مارس 2025
امرأة تجلس أمام كشك لبيع الكتب في المدينة العتيقة بفاس، المغرب (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت نتائج "جائزة المغرب للكتاب" 2023 جدلاً بسبب حجب ثلاث جوائز في مجالات مهمة، مما يعكس ضعف التمثيل في بعض الفئات، بينما شهدت فئة السرد فوز رواية "حساء بمذاق الورد" لسعيد منتسب.

- تميزت الجائزة بمنحها مناصفة في بعض الفئات، مما أثار تساؤلات حول التوازنات في قرارات التتويج وأدى إلى نزاعات بين الفائزين ووزارة الثقافة، مشيراً إلى تحديات في تحقيق العدالة والشفافية.

- تعكس النتائج ضعف الترويج ونقص المشاركة، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة، مثل انعدام الترويج أو اليأس بين المثقفين، مما يتطلب جهوداً لتحسين قيمة الجائزة وأهميتها.

أثارت نتائج "جائزة المغرب للكتاب" المُعلن عنها منتصف الأسبوع الماضي مرّة أخرى الكثير من الأسئلة حول حقيقة تمثيلها للمشهد الثقافي المغربي. الجائزة التي تمنحها وزارة الثقافة للأدباء والباحثين المغاربة هي تقليد سنويٌّ عمره خمسة وخمسون عاماً، وحدث مهم لتسليط الضوء على حركية المشهد الثقافي في البلاد، لكن النتائج المعلن عنها هذه المرّة تجاوزت، وفقاً لردود الأفعال، هفوات السنوات الأخيرة التي عكّرت صفو الجائزة.

من أكبر علامات الاستفهام التي طرحتها النتائج كانت حول حجب ثلاث جوائز دفعة واحدة في مجالات مهمة ينشط فيها الفعل الثقافي بشكلٍ واضح، كمّاً وكيفاً، وبقرار من لجنة تحكيم ترأستها الأكاديمية رحمة بورقية ولجان فرعية كانت على الشكل التالي: وفاء العمراني (الشعر)، وأحمد بلاطي (السرد)، وعبد الإله بنمليح (العلوم الإنسانية)، ومحمد عبد ربي (العلوم الاجتماعية)، وعزيز لمتاوي (الترجمة)، وعز الدين الشنتوف (الدراسات الأدبية واللغوية والفنية)، ورشيد لعبدلوي (الأدب والدراسات الأمازيغية)، ومحمد سوسان (أدب الأطفال واليافعين). شمل هذا الحجب فئة الدراسات الأدبية والفنية واللغوية، والتي رُشِّح لجائزتها ستة عشر عنواناً لم يلق أيٌّ منها أي استحقاق يُذكر. 

حجب ثلاث جوائز في مجالات مهمة ينشط فيها الفعل الثقافي

الأمر نفسه وبعلامات استفهاماته ينطبق تماماً على مجال العلوم الاجتماعية، حيث قُدمت عشرة أعمال لم يَزِنْ كتابٌ واحد منها قيمة الجائزة، في الوقت الذي ما يزال فيه أثر تتويج عدد من الباحثين المغاربة بجوائز خارج البلاد يعمّق حالة من نشوة الإنجاز لدى الوسط الثقافي المغربي، آخرها "جائزة الدوحة للكتاب العربي" الخاصة بالعلوم الإنسانية، التي كان قد أشاد مديرها التنفيذي عبد الواحد العلمي بالتميّز الذي حقّقه الفائزون المغاربة، ممّا يعكس جودة أبحاثهم ومصداقية أعمالهم الأكاديمية.

إن حجب ثلاث جوائز هو حدث غير مسبوق غطى على باقي النتائج كما أثار استغراب المثقفين. لكن ما لفت الانتباه أيضاً هو النزر القليل من المؤلّفات التي وضعت في قائمة الترشيح. فمجموع مؤلفات فئة الأدب الموجّه إلى الأطفال واليافعين، على سبيل المثال لا الحصر، لا يتعدّى عدد أصابع اليد. ربّما كان حجب الجائزة عنها مُقنعاً لهذا السبب، لكن ما لم يكن مقنعاً أبداً هو أن تُمنح جائزة الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية لعمل واحد لم يُقدّم إلى جانبه أيّ كتاب آخر لينافسه على الجائزة، ممّا يطرح من جديد ضعف الحضور والتمثيلية، حيث ما يزال وضع الأمازيغية، أدباً وبحثاً، يراوح مكانه دون أيّ تغيير. يُستثنى من ذلك مجال السرد الذي كان فيه عدد الكتب المشاركة معقولاً إلى حدٍّ ما، إذ بلغ أربعة وعشرين كتاباً فازت منها رواية "حساء بمذاق الورد" لسعيد منتسب. أما باقي فئات الجائزة فقد عانت من قلّة المشاركات.
 
وإذا كانت جائزة السرد قد نالت استحساناً بالنظر إلى قوة الرواية وكاتبها، واستُبعدت من هذا الصخب، فإنّ جائزة الشعر لم تسلم من مطب المناصفة الذي سبق أن أثار مشكلات مع وزارة الثقافة. فمن سبعة أعمال مرشّحة في فئة الشّعر، مُنحت الجائزة مناصفة لكلٍّ من الشاعر إدريس الملياني عن ديوانه "غمة الكمامة"، والشاعر محمد عزيز لحصيني عن ديوانه "كغيوم تحت القناطر". وفي فئة العلوم الإنسانية، مُنحت الجائزة مناصفة أيضاً لكلٍّ من الباحثين: هشام الركيك عن كتابه "الملاح فضاء وعمران من وحي عقد الذمة" وسمير أيت أومغار عن مؤلَّفه "الماء والمدينة بشمال أفريقيا في العهد الروماني"؛ وهما كتابان من أصل تسعة أعمال مُرشَّحة. 

هل هو انعدام الترويج الكافي للجائزة أم يأس المثقفين؟ 

ويطرح اللجوء المستمر إلى منح الجوائز مناصفةً مسألة خلق التوازنات على حساب الحسم في قرار التتويج بناء على الاستحقاق فقط. وهو ما أثار نزاعاً بين الفائزين ووزارة الثقافة عام 2022، حيث سُحبتُ الجائزة بقرارٍ وزاريٍّ من تسعة فائزين، بعد احتجاجهم على تقسيم قيمة الجوائز الممنوحة مناصفة. فتمَّ اللجوء إلى المحكمة الإدارية التي حكمت لصالحهم بإلغاء القرار المطعون فيه، ومنح قيمة الجائزة لكل منهم والتي تبلغ 120 ألف درهم، أي 12 ألف دولار.

من خلال ذلك يبدو أن نتائج الجائزة لا تعكس صورة حقيقية لحركية الفعل الثقافي في المغرب، بل تحيل إلى حالة من الغياب عما ينتج من أعمال إبداعية وفكرية ذات أهمية وبمستوى يشهد له. ففي مجال الشّعر على سبيل المثال، وهو الأكثر حضوراً وزخماً في المشهد الثقافي حتى الآن؛ حيث يشهد دينامية في طبع المنشورات داخل المغرب وخارجه ومن تميز بعض الأصوات من مختلف الأجيال والحساسيات والرؤى الجمالية والاتجاهات، لا يصل منه إلى الوزارة في الأخير سوى سبعة دواوين شعرية فقط! 

يضعنا هذا وغيره في موضع تساؤل لا بدَّ منه عن سبب الضعف الملحوظ في نسب المشاركة. هل يتعلّق الأمر بانعدام الترويج الكافي في الدعوة إلى الترشح؟ أم هو اليأس العام المستشري في أوساط المثقفين، والذي يمكن اعتباره تفسيراً مقبولاً إلى حدٍّ ما، في ضوء كثير من الخلافات بين اللجان المشرفة على اختيار الفائزين؟ ربما كلا الافتراضين جائز ومعبّر عن هذا المُعطى، الذي لا يعكس الواقع الثقافي إلا ناقصاً ومنحرفاً عن الزاوية التي ينبغي النظر منها إليه. ولا يتناسب مع حدث ثقافي كبير تم إحداثه باعتباره أرفع تقدير وطني يمنح للأعمال المتميزة في حقول الأدب والمعرفة، ومناسبة مهمة لتشخيص عافية الجسم الفكري والإبداعي بالمغرب. 

لا يمكن بأي حال أن تحافظ الجائزة على أهميتها وقيمتها بالنسبة للكُتّاب والمبدعين إلّا من خلال تجاوز هذين السببين، بطبيعتهما المباشرة وغير المباشرة وتأثيرهما السلبي؛ وإلّا تحوّلت جائزة الكتاب كما يخشى كثيرون إلى شيء عابر، لا يشكّل حدثاً أو معنى ذا أهميّة تُذكر. 


* شاعر وكاتب مغربي
 

المساهمون