تيّار الخوف: مآلات الشعبوية الأوروبّية في أوراق باحثين فرنسيّين

تيّار الخوف: مآلات الشعبوية الأوروبّية في أوراق باحثين فرنسيّين

23 مايو 2022
تمثال رأسي لإريك زيمور مع مُرشّحي الرئاسة الفرنسية، مدينة نيس، شباط/ فبراير 2022 (Gett)
+ الخط -

تتصاعد الموجة الشعبوية في أوروبّا عامّة، كما تنعكس على الساحة السياسية الفرنسية بشكل خاصّ، سواء بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، أو مع الاستعداد للانتخابات التشريعية في حزيران/ يونيو المُقبل. وقد وجدت هذه الموجة مثالها الجديد بترشُّح المعلّق التلفزيوني والكاتب اليميني المعروف بآرائه العنصرية، إريك زيمور، وتأسيسه حزبه السياسي الذي أسماه "الاستعادة"، إذ شغلَ هذا القادم المُستجِدّ إلى عالم السياسة الرأيَ العام بتصريحاته المهووسة بمهاجمة المهاجِرين والمُسلمين والعرب، والانتقاص من قدر النساء أو المثقّفين كعادة اليمين الشعبوي، ما استدعى بعض المثقّفين الفرنسيّين للردّ عليه.

"ليس هناك استبدال عظيم" هذا هو العنوان الذي اختاره الجغرافي والديموغرافي هيرفي لو برا لمقاله المُطوَّل الصَّادر في كُتيّب (142 صفحة) عن "دار غراسيه". يردُّ لو برا، من خلال تخصّصه بالديموغرافيا على مدى نصف قرن، على التخرّصات التي كان يطلقها إريك زيمور، وأهمّها نظريته عن "الاستبدال العظيم"، التي تفيد بأنّ عمليّة استبدال تجرى لشعوب أوروبّا، كي تَحُلَّ مكانها مجموعات من المهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة.

لغة شعبوية عنيفة تصف المُهاجرين بأنّهم "استعمار معكوس"

يستعين الباحث بالأرقام والإحصائيات ليوضّح أنّه لا يوجد استبدال أصلاً حتى يكون "عظيماً"، كما  يربط الوزن الديموغرافي للمهاجرين، أو الفرنسيّين ذوي الأصول الأجنبية، بنوعية نشاطهم وحضورهم الاقتصادي، وهنا يوضّح بشكلٍ جَلي أنّ "الوزن المزعوم" للأجانب في فرنسا لا يوازي أيّاً من الدول الأوروبّية المجاوِرة، ما يعني أنّهم لن يحلّوا مكان الموجودين اليوم مع الزمن، على عكس ما يروّج له الخطاب اليميني المعادي للمُهاجرين، والذي لا يتردّد في الدعوة للتخلّص منهم. 

بدورها، أستاذة الآداب والحضارة الفرنسية في "جامعة ستانفورد" الأميركية، والمختصّة بتحليل الخطاب السياسي، سيسيل ألدوي، أصدرت ضمن سلسلة "لِيبِل - دار سوي" كتاباً بعنوان "لغة زيمور"، وفيه تهتمّ بتحليل خطابات زيمور، من خلال متابعة إطلالاته التلفزيونية وكتبه، ومقالاته التي ينشرها في جريدة "لو فيغارو". 

تخلُص ألدوي إلى القول إنّ مفردات مثل: "الحرب، والموت، والعدو، والخوف، والسلاح، والمعركة..." هي ما يسود في خطابات الرمز الجديد لليمين المتطرّف، لتستنتج أنّ: "عالم زيمور هو عالم العنف". بينما يُلخِّصُ التكرار الدائم لمفردة الحرب كلّ ما يفكّر به الرجل، وهذا لا ينفصل عن مطالبته أنصارَه بالتسلُّح من أجل مواجهة المُهاجرين، الذين يعتبرهم شكلاً من أشكال "الاستعمار المعكوس". 

"الاستبدال العظيم" نظرية عنصرية رائجة في أوساط اليمين الأوروبي

غير أنّ ما تكشفه حقائق الديموغرافيا ودراسات اللغة لا بدّ أن يتكامل مع ما يقوله التاريخ، وهو الميدان الأثير لليمين المتطرف، فزيمور بالتحديد يُحبُّ الظهور بمظهر الخطيب المفوّه الذي يشغل التاريخ مركزاً هامّاً في خطابه، ما يُعزّز من صورته كصاحب معرفة عميقة، إلّا أنّ هذا ما يدحضه كُتيِّب "زيمور ضدّ التاريخ" الصادر ضمن سلسلة "تراكت - دار غاليمار".

يشترك في الكُتيّب 16 مؤرّخة ومؤرّخاً للردّ على الأكاذيب التي يُطلقها زيمور في كتبه ومداخلاته المُتلفزة، والتي يَعمد من خلالها إلى توظيف التاريخ خدمة لأغراضه الأيديولوجية، كما لا يتردّد باتهام المؤرّخين بإنتاج رواية مُضادّة للرواية الوطنية، خاصّة أولئك الذين عُرفوا من خلال أعمال سعت لتفكيك المرحلة الاستعمارية وجرائمها. 

من خلال 19 مقالاً قصيراً، يردّ المؤرّخون والمؤرّخات على "الأخطاء/ الأكاذيب" التي يطلقها زيمور حول التاريخ، كلٌّ حسب الحقبة التاريخية المختصّ بها، وتشمل المقالات مراحل ممتدّة منذ تأسيس أوّل الممالك على الأراضي الفرنسية، مُروراً بما يُسمّى "الحَملات الصّليبية" وعصر النهضة، وصولاً إلى الحربين العالميتين، وحروب التحرير الوطني ضدّ الاستعمار منتصف القرن العشرين. 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون