تونس.. لحرية التعبير الفنّي حدود

تونس.. لحرية التعبير الفنّي حدود

13 اغسطس 2022
وجيهة الجندوبي في مونولوغ "بيغ بوسة" بـ"مهرجان قرطاج"، 2019
+ الخط -

لعلّ ما يُميّز "مهرجانات الصيف" في تونس هو عدمُ اقتصارها على الحفلات الغنائية، حيث ينفتح كثيرٌ منها على أنماطٍ تعبيرية أُخرى؛ مثل الفنّ الرابع، وهي ميزةٌ تُوفِّر فُرَص عرضِ أعمالٍ مسرحية في فضاءات تكتظّ بالجمهور. ولعلَّ في ذلك بعضٌ من التعويض على انحسار قاعات العرض، بفعل انتشار جائحة كورونا منذ سنتَين، ثُمّ بسبب عدم استقرار الوضع السياسي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من سنة.

هكذا، لا يكادُ يخلو أيٌّ مِن المهرجانات التي تُقام هذه الأيّام مِن العروض المسرحية. لكنَّ بعض تلك العروض لا يمرُّ مرور الكرام؛ كما حدث مع عرضٍ للممثّل لطفي العبدلي في الدورة الثانية والأربعين من "مهرجان صفاقس الدولي"، والتي تستمرُّ حتى السابع عشر مِن آب/ أغسطس الجاري.

فخلال تقديمه "وان ما شو" كوميدياً، في صفاقس قبل أيّام، تدخَّل رجال أمنٍ لإيقاف العرضِ الذي وجّه فيه العبدلي انتقاداتٍ لاذعةً (وحركةً بإصبعه) للمسؤولين التونسيّين، وهو ما أثار موجةً من الجدل بين مُنتقِدٍ للعرض "البذيء والمبتذل"، وبين مَن رأى في إيقافه "تدخُّلاً سافراً مِن الأجهزة الأمنية في مضمون عملٍ فنّي" و"ضربةً جديدة لحريّة التعبير في تونس".

استفراد بالفضاء العام ومحاولة لتطهيره من مظاهر المعارضة والنقد

وفي هذا السياق، كتب المستشار الرئاسي السابق عدنان منصر في حسابه على فيسبوك: "ما نراه منذ أشهر، ويترسّخ اليوم أكثر فأكثر، هو مجرّد تطبيقات لتوجُّه واضح للسلطات: الاستفراد الكلّي بالفضاء العام وتطهيره من كلّ مظاهر المعارضة والنقد".

ومِن جهتها، دعت المخرجة سلمى بكّار إلى مقاطعة عرض العبدلي، لكن لسبب آخر؛ إذ اعتبرته "مُهيناً لكلّ النساء التونسيات"، وهو ما يُذكّر بانتقادات وجّهتها الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، قبل أيّام، للممثّلة وجيهة الجندوبي، بسبب تناوُلها موضوع المثلية - في مونولوغ تعرضه حالياً - "بطريقة تتعارض مع الحريات الفردية وتُسطّح العنف ضد المرأة"، مضيفةً أنّ من شأن هذا الطرح "وصْم المثليّين".

وبسبب سخريةِ مسرحيتها "بيغ بوسة"، التي تعرضُها منذ 2019، من مجلس الشعب الذي أعلن قيس سعيّد حلّه قبل عام، انتقد سياسيون الممثّلة التونسية، ومن بينهم النائب السابق نبيل حجّي، الذي اعتبر أنّ الهدف من "تشويه" أعضاء مجلس الشعب السابق هو مغازَلة السلطة الحالية للحصول على تمويل من وزارة الثقافة.

مُنعت مسرحية من العرض بسبب تصريحاتٍ أدلى بها ممثّلٌ قبل سنوات

ولئن كانت مسرحيّتا العبدلي والجندوبي قد أثارتا ما أثارتاه مِن جدلٍ بعد عرضهما، فإنَّ مسرحية "حسين في بكين" لمقداد السهيلي مُنعت من العرض في "مهرجان المنستير الدولي"، والذي تستمرُّ دورته التاسعة والأربعون حتى التاسع عشر من الشهر الجاري.

والطريف أنّ المنع لم يأتِ بسبب مضامين المسرحية، بل بسبب تصريحات للسهلي أدلى بها لقناةٍ تونسية خاصّة قبل سنوات، واعتبرها مواطنون من المنستير مسيئة للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1903 - 2000) المولود في المدينة نفسها، مُطالبين بمنع مسرحيته، وهو ما لم تتردّد إدارة المهرجان في الاستجابة له.

وقبل أسبوعَين، شهدت مسرحية "نموت عليك" للأمين النهدي موجة انتقادات وانسحابات من الجمهور أثناء العرض، متّهمين الفنّان بأنه يعيد تكرار نفسه، وهو ما دفعه إلى إلغاء عرضها في بعض المهرجانات، معتبراً ما تعرّض له "حملةً موجّهةً ضدّ مسيرته الفنّية".

المساهمون