تستريح الأرض من كلامنا

تستريح الأرض من كلامنا

08 ابريل 2021
("زيارة غوبيو الثانية" لـ ماركو دل راي، 1981)
+ الخط -

سريالية البحر 1

الريح بنت الصدفة،
والشراع تلميذٌ غافل
في ساحة المدرسة
وقت الاستراحة.

الغيم سقفٌ يبحث عن أرضية ثابتة،
والسفينة قطراتٌ من خشب.
الموج عربات قطار عالق بين جدارين،
ورمال الشاطئ ينحسر عنها الماء،
تمدّ لسانها العَطِش،
لا تيأس ولا يصيبها التعب.


■■■


سريالية البحر 2 

كنت في قاربي، فأُعجِب البحر بكتابي.
قفز وجلس بجانبي.
توقّفنا في منتصف الطريق على الرمل.
أخرجت سيجارة، عرضتها على البحر،
لم يرضَ وخاف أن يغلي لسانه منها.
كانت الشمس في منتصف السماء
أشعلتْ ليَ السيجارة،
فبدأت الأسماك تقفز وتدور في فلك الشمس
تحت غطاء السماء المظلمة.
صار القارب كوناً.


■■■


في الليل

في الليل يتسلّق البرد على نوافذ المشرَّدين،
ويعود الصمت إلى الشوارع بعد أن تخلو
من الباعة وصراخهم واستجداءات المتسوّلين،
ومن مذياع الأخبار فوق حجر من رمل.

في الليل يزداد الظلام بريقاً،
يسرق من الجدران طلاءها،
ومن الأبواب أجراسها،
ومن أسطح البنايات خزّانات المياه،
يشربها على مهل
ويثمل قرب نادٍ ليلي،
على ثيابه ألوان غير متناسقة،
يغنِّي كلاماً لا يفهمه سوى الباب.

في الليل تتساوى المسافات.
لا يهمّ إن كنتُ جالساً تحت شجرة
أو وسط مقبرة.
في الليل تتسارع الأوقات
عندما يتحادث المحبّان.
في الليل يزحف الوقت
عندما يطول الانتظار.

في الليل أكمل قصيدتي
تحت ضوء شمعة.
تنطفئ شمعتي فتتطاير الكلمات من قلمي.
تنغلق الورقة على نفسها
كيلا تهرب الكلمات خوفاً.
في الليل تستريح الأرض من كلامنا.
في الليل تستريح السماء من رؤيتنا.
في الليل يُرخي النهار ظهره
ويتمدّد فوق فراشنا ويسخر من أحلامنا.


■■■


الريشة والحظّ

ريشةُ الحمامة الصاعدةِ إلى دائرة الخفاء
تزورها عَيْنُ وردةٍ جوريةٍ في الممرّ الضيّق
بجانب المبنى القديم.

يتزلّج الحبيب مع الحبيبة
على ثلج الذكريات الجميلة.

أمّا ذاكرتي فتختبرني:
هل تستطيع أن تنسى شوارعَ
نامت جفونُ الخوف فيها؟
هل تستطيع أن تنسى أسماء الكتب
على الأرفف الوَجِلة بعد أن سقطت
مع بكاء الأطفال في ليل القصف؟
أم هل تتذكّر رقم الهاتف الذي رَمَتْ به
فتاةٌ في ورقة المحارم بعد حفل التخرّج؟
كانت تعتقد أنّك ستحصل على وظيفة لشدّة ذكائك،
لكنّها لم تكن تعلَم أنّ الحظّ أذكى من الاجتهاد.

يزورني الحظّ لكنه لا يدخل غرفتي.
هل عليّ أن أرش عطراً أستدرجُه به؟
أيّ نوعٍ يغْوِيه؟
عندنا نوعان من العطور فقط:
رائحةُ فم الجوعى،
وهناك رائحةٌ مستوردة مخلوطة من شيئين:
فحم الشّواء في الصيف
والثلج في الشتاء.

والريشة تداعبها الرياح وتتمايل على التراب
كأنّما تكتب حظّي في الحياة.
تهبُّ الرياح مراراً وتمحو حظي.
طار الحظّ إلى دائرة الخفاء،
والريشة أخذها الحبيبُ ووضعها
في خصلةٍ من شعر محبوبته.

يا حظِّيَ السعيد، قلتُ لنفسي.

أَقصدُ المكان الذي جلس فيه الحبيبان،
وأدعو أن تهبط الحمامة وأُطعمَها من بُذور أملي،
لعلّها تشفق عليَّ وتشفع لي عند صاحبها،
وأغدوَ بائعاً للقصائد في سوق المُحبّين.

تأتيني الحمامة وتعطيني ريشة ذهبيّة من أحد فراخها،
وتقول لي:
"لو كتبت ما سوف تكتب، سيكون نفْسَ الذي
كتبتْه الريشةُ الأولى عند الممرّ الضَّيِّق
قبل أن تمحوه الرياح".
تذهب الحمامة، وقبل أن تصل إلى دائرة الخفاء،
يصرخ صوتي وتسمعه الحمامة قبلي:
هل يمكن فقط أن أكتب اسمي على رخامةٍ ويكون ما يكون؟
هل يمكن أن أعيش ساعةً من الموت الأبدي
وأحيا كحَجَرٍ على قارعة الطريق
يضعه بائعُ الذّرة الصفراء خلف عِجال عربته
وهو يصعد التلة كيلا تنحدر العربة
مع كلّ هبّةِ رياح صيفية؟

هل يمكن أن...؟


* شاعر من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون