استمع إلى الملخص
- يُبرز الكاتب التناقضات في المواقف العالمية تجاه الفلسطينيين، حيث يُعتبرون "الفاشيين الجدد" من قبل بعض الأطراف، ويشير إلى التوترات العرقية والسياسية في ألمانيا، مع انتقادات لشخصيات بارزة مثل نتنياهو.
- يستعرض الكاتب تجربة المخرج الفرنسي جان لوك غودار ودعمه للفلسطينيين، لكنه يواجه صعوبة في إنتاج فيلم عنهم بعد "أيلول الأسود"، مؤكدًا على احتمالية اشتباك عالمي ضد الإمبريالية.
من أبرز "مُعادي معاداة السامية" حفيدة ناشر كتاب "كفاحي" لهتلر. هكذا يكتب ساخراً صحافي بريطاني مُقيم في ألمانيا، عن فنّانة ألمانية خصّصت صفحتها للدفاع عن الاحتلال والهجوم على الفلسطينيين، ثم تبيَّن أنها من العائلة التي كانت تملك دار النشر التي طبعت الكتاب الشهير للديكتاتور الألماني. وهكذا صاروا يسمّون أنفسهم "معادو معاداة السامية"، سالب السالب موجب، هُم إذن الساميّون الجُدد؟ أي الضحايا الجُدد، وهذا كلّ ما يَلزم تعلُّمه من الماضي.
خسر هتلر وحزبه النازي الحرب، هذا الوضوح الفجّ للعنصرية الآرية كان أسلوباً ضعيفاً للسيطرة على العالم، لا يستطيع سوى التدمير وحرق الكتب وكبت المعرفة وتشغيل الناس كالدُّمى، كان للأميركان الوافدين الجُدد طريقة أُخرى، وفرنسا التي كانت لا تزال تحتلّ أجزاءً واسعة من أفريقيا لم ترضَ بأن تكون تابعاً داخل قارّتها الأُمّ، أمّا بريطانيا فكانت تُريد أن تتمتَّع بالشاي والذهب المسروقَين بهدوء في جزيرتها الباردة.
هُزم الحزب النازي، لكن لم تخسر العنصرية ولم تندثر الفاشية، كان هناك متسابقون كُثر، أقرّ الألمان بعد الحرب بالمعادلة الجديدة، واليوم قد يُحيُّون "فوهرراً" جديداً اسمه ترامب، صرّح مرّة بأنه سعيد جدّاً بأنّ له أصولاً ألمانية، ويجري في عروقه دمٌّ ألماني. وعلى يمين ترامب يقف حفيد إقطاعيِّين تركوا جنوب أفريقيا، لأنهم لاحظوا بداية انهيار الفصل العنصري، لم يحتملوا أن يتساوَوا مع أهل البلد الأصليين، فقرّروا الهرب إلى أميركا، البلد التي لا تُحكم بالعنصرية فحسب، بل تُصدِّرها إلى العالم.
اعتبر غودار أنه لا يُمكن لأحد أن يُملي على الفلسطينيين ما يفعلونه
يقف إيلون ماسك ويُلقي "التحيّة الرومانية" مرّتين، نعم صدق المدافعون عنه، هذه التحيّة لا تخصّ هتلر والنازيين وحدهم، بل تصحّ لأي عُنصري إمبريالي فاشي آخر أن يفعلها. وفي محاولة منه لإثبات التُّهمة على نفسه، يخطب بعدها بأيام افتراضياً بجُموع حزب البديل الألماني، ويدعوهم لأن يفتخروا "من جديد" بألمانيَّتهم، وأن يُشعلوا حماس مشاعرهم الوطنية. وصحيحٌ أن عشرات الآلاف من الألمان يخرجون إلى الشوارع للتظاهُر ضدّ هذا الحزب، لكن هل هذا الحزب هو وجه الفاشية الوحيد في البلاد؟
في تلك التظاهرات هُوجم فلسطينيّون وعرب، لأنهم رفعوا أعلام فلسطين، شُتموا وأُوقعوا أرضاً، فلسطين مطرودة من جنّة الليبرالية، والفلسطينيون هُم "الفاشيّون الجدُد"، لأنهم يرفضون أن تتحوّل بلدهم لدولة يهودية، واليهود هُم ضحايا الفاشية في السردية التي جرى الاتفاق عليها بعد الحرب، تحويل هذه الفكرة المباشرة إلى صورة مجرّدة للعدالة صعب جداً في السياق الألماني، اليهودي ضحيّة وليس عموم من يُباد، انتهينا! يجب إقفال هذه القصة والمضي قُدماً دون مُعكِّرات. وصحيحٌ أن تحيّة ماسك أربكت هذه الصورة قليلاً إلّا أن نتنياهو قد تبرَّع وحلّ المسألة، إذ صرَّح بأن ماسك صديق لليهود فلا بأس لو قلَّد عدوَّهم التاريخي، الصهاينة أيضاً نقلوا اليهود إلى الجهة الأُخرى وانضمّوا إلى المنتصرين.
في أيّام التضامن العالمي زار المخرج الفرنسي الطليعي الراحل جان لوك غودار مواقع تمركز الفدائيّين في الأغوار قرب فلسطين، صرّح حينها للصحافيين بأنه لا يجوز لأحد أن يُملي على الفلسطينيين ما يجب أن يفعلوه، لأنهم يتقدّمون العالَم كلّه في النضال، بالنسبة لغودار المتحمّس في تلك الأوقات للثورة العالمية، كان الفلسطينيون قد سبقوا العالَم حين وصلوا للاشتباك الفعلي مع الإمبريالية، وهُم بذلك قادة العالم في الثورة على الاستعمار. أمّا في أيام التآمر العالمي هذه، فهل يستطيع الفلسطينيون أن يتقدّموا العالَم في مواجهة هذا العبث الكوني؟
لم يستطع غودار بعد أحداث "أيلول الأسود" عام 1970، أن يُنتج فيلماً تعبوياً كما خطَّط، خصوصاً حين سمع لأول مرّة الترجمة الحقيقية لما يقوله الفدائيّون واللاجئون الذين صوَّرهم، ما كسر الصورة الرومانسية في خياله عنهم، وأنتج بعد سنوات فيلماً فلسفياً يبحث في البُعد الوجودي لمثقّف فرنسي يلتقي فدائيّين مطرودين من بلادهم، ثم يعود لحياته الطبيعية في باريس.
لا حاجة اليوم للمتضامن أن يترك بلاده ليجمع مادّة لأعماله، فالترجمة الفورية تُغني عن أي وسيط محتمل، وليس هناك "ثورة عالمية" فلا حاجة لترتيب الصفوف، وتحديد المتقدِّم والمتأخّر، أمّا الاشتباك الفعلي فيبدو أنه سيشمل قريباً مواقع واسعة من العالَم.
* كاتب فلسطيني مقيم في ألمانيا