"بوابات الحكاية" لعبد الرحمن قطناني.. من خيوط النسيج إلى تطريز المعدن

05 فبراير 2025
عبد الرحمن قطناني أثناء افتتاح المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إعادة رؤية التطريز الفلسطيني: يعرض عبد الرحمن قطناني في "بوّابات الحكاية" أعمالاً فنية مستوحاة من التطريز الفلسطيني باستخدام خامات المخيمات، ليرمز كل عمل إلى جزء من الثقافة والهوية الفلسطينية مثل النخلة والزيتون.

- المخيّم كفن وتجربة شخصية: يعتبر قطناني المخيم عملاً فنياً يعكس الحالة الفلسطينية المعقدة وتجربته الشخصية، مشيراً إلى أهمية المخيم في فهم القضية الفلسطينية وقدرة سكانه على استيعاب أعماله.

- التأثيرات والعلاقات الفنية: يتحدث قطناني عن تأثير الفنانين الفلسطينيين الرواد عليه، مؤكداً على دور الفن في النضال، وتأثير بيروت كمدينة تحتضن التنوع الثقافي والفني.

تطريزٌ بالمعدن يحملُ علامات القسوة ويُمثّلها، هذا ما يشتغل عليه الفنّان الفلسطيني عبد الرحمن قطناني (مواليد مخيّم صبرا، 1983) في معرضه "بوّابات الحكاية"، الذي افتُتح في "غاليري صالح بركات" ببيروت، في العاشر من كانون الثاني/ يناير الماضي، ويتواصل حتّى الخامس عشر من الشهر الجاري.

التقت "العربي الجديد" بقطناني الذي تحدّث، بدايةً، عن فكرة المعرض المستلهَم من التطريز الفلسطيني الذي تقوم عليه مؤسسة "إنعاش" (أسّستها الفنّانة هوغيت كالان عام 1969)، يقول: "قبل العدوان على غزّة بسنتَين، اقترح عليّ المدير التنفيذي لـ'مؤسسة رمزي وسائدة دلول الفنّية'، باسل دلّول، نقلَ موتيفات التطريزات الفلسطينية من حيّز النسيج إلى آخر من معدن، كمحاولة لإعادة رؤية التطريز الفلسطيني من خلال موادّ المخيّم الخام: البراميل، والزينكو أو الصفيح، والشريط الشائك، وذلك على خلفيّة اشتغالاتي السابقة على هذه الخامة. فبدأتُ الاشتغال على عمل يحتوي موتيف النخلة، التي ترمز للثقافة العربية، ولاحقاً، حمَلت الأعمال الأُخرى موتيفات: الزيتون، وعين الجمل، الذي يُحيل بصبره إلى المخيّمات الفلسطينية، والتَّميمة (الحِجاب)، وحين وصلتُ إلى عمل 'غزّة'، وهو يحمل موتيف الجذر، كان العدوان قد بدأ، أمّا باقي الأعمال: 'مدن' و'جرف' و'غابة' فنُفِّذت أثناء العُدوان الإبادي على شعبنا".

ينظرُ إلى المُخيّم بوصفه تجهيزاً فنّياً ويستخلص أدواته منه

وعن السِّرِّ الكامن وراء اختياره لمثل هذه الخامات صعبة التشكيل، يُتابع قطناني حديثه إلى "العربي الجديد": "لدى كلّ فنّان "باليت" (Pallet) لونيّة خاصة، وبالإضافة إليها هناك أيضاً ما يُسمَّى سرّ المهنة، فأنا دخلت عالم الفنّ من خلال عملي نجّاراً مع أبي، فأنا أنتمي لعائلة نجّارين قبل أن أنال دبلوماً بالفنون من 'الجامعة اللبنانية' عام 2013. ورؤيتي تقوم على أنّ هذه اللوحة اللونية يجب أن تُمثّل لغة المكان الذي يعيش فيه الفنّان. وحين تنوجد في قلب المخيّم فلن تكون لوحة ألوانك من الأكريليك، أو الألوان الزيتية، هذه الموادّ غالية وليست بمتناول الناس، وتُعتبَر برجوازية. ومن هنا اشتغلت على 'باليت' خاصّة، فبدأت بمرحلة جَمْع الموادّ، القماش والخشب، في حين كانت عمليات إعادة التدوير شغّالة على قدم وساق بالمخيّم، تدوير الزينكو والحديد والبراميل، وفي هذه الأجواء قدّمتُ أول مشاريعي، من خلال الثياب المُستعمَلة والقديمة، وشاركتُ أوّل مرّة بـ'متحف سرسق' عام 2008، واستحقّ عملي 'امرأة في المخيّم' تنويهَ لجنة التحكيم".

من معرض عبد الرحمن قطناني 5 - القسم الثقافي
اللوحة اللونية يجب أن تُمثّل لغة المكان الذي يعيش فيه الفنّان ("غاليري صالح بركات")

كذلك يُفسّر قطناني لـ"العربي الجديد" أيّ معنى يحمله الخروج من المخيّم، نفسيّاً على الأقلّ لا فيزيائيّاً: "نحن نعتبر المخيّم عالمنا، لدرجة أنّ الدفاع عنه، سياسيّاً، عنَى الدّفاع عن القضية الفلسطينية ككُلّ، لكن هذا لا يعني أنّ حلّ القضية يأتي بتكريسه. الدعوة ليست لتجاوز المخيّم، بل لحلّها بطريقة إنسانية تؤمّن الحفاظ على حقّ العودة. وعلى صعيد شخصيّ، أنا لم تكن لديّ في حياتي أيّ علاقة بالطبيعة، علاقتي انبنت مع الإسمنت والزينكو فقط، وهذا ما عبّرتُ عنه من خلال الشريط الشائك. تصوّر أن الناس داخل المخيّم تشيع بينها مقولة: 'لا تخرج من المخيّم، فالخارج مكانٌ خطر'، وحين تسأل من هُم خارجه يقولون العكس: 'لا تدخله، فالمخيّم مكانٌ خطر'. أنا وُلدتُ في صبرا بعد سنة من المجزرة المُروِّعة، وبالنسبة لي هذا الاسم حِملٌ ثقيل، كان من المُمكن أن أكون أحد ضحايا المجزرة".

يضع الفنّان الفلسطيني "بوّابات الحكاية" في تسلسُلٍ مُعيّن مع أعماله ومعارضه السَّابقة التي يُكمِّلها ويبني عليها المعرض الحالي، وحول هذا التفصيل يُوضّح: "سبق أن نقلتُ المخيّم إلى الغاليري، وقسمته بالنصف، في القسم الأول يُوجد مخيّم كامل من الصفيح يُمكن للزائر الدخول إليه، وصَمّمتُ زواريبه في محاولة لخلق تجربة غامرة مع الناس. كما وضعتُ مرايا في داخله لعكس مفهوم تكرار اللجوء بين الأجيال، وعدم اقتصاره على الفلسطينيّين، بل شموله العراق وسورية وغيرهما من بلدان المنطقة، وفي القسم الثاني صمّمتُ تمثيلاً لموجة البحر الذي كان في مفهومنا مساحةً للأمل، ثم صار سياجاً بحدّ ذاته، موجة عاتية من الأسلاك الشائكة ستُحطّم المكان بأَسْره".

استكمالٌ لمشاريع سابقة تُطوِّع الموادّ الصلبة وتُعيد تدويرها

ويُضيف: "أنظُر إلى المخيّم كتجهيز فنّي، نحن دائماً نتعامل معه كحالة مؤقّتة أصلاً، لا نفرش البيت إلّا بالأشياء السريعة. نتحسّب دائماً ونقول: 'مُمكن ينسرق أو ينحرق أو ينقصف، أو نتهجّر منه'، وبالتالي من أراد فهم الحالة الفلسطينية بشكل دقيق عليه أن ينزل إلى المخيّم ويتجوّل فيه، وعندها يرى التراكمات والطبقات البصرية على حقيقتها. في المقابل صار الناس في المخيّم، بدورهم، قادرين على استيعاب هذه الأعمال، بل والقدرة على تقييمها واقتراح إضافات عليها، غالباً ما كانت 'لجنة تحكيم صبرا' تقول كلمتها في أعمالي قبل نقلها من المخيّم إلى الغاليري. وكان الناس يرون هذه القدرة السحرية التي حوّلت الموادّ التي يعرفونها إلى أعمال فنّية، ليُشاهدوها، لاحقاً، على التلفزيون هذه الوسيلة العظيمة بالنسبة لهم". 

من تطريزات إنعاش - القسم الثقافي
من تطريزات مؤسسة "إنعاش" التي استُلهمت منها الأعمال، في الطابق العُلوي من الغاليري

كذلك يسترجع عبد الرحمن قطناني تمثّلات الشريط الشائك في أعماله ورمزيته: "يستوعب الشريط الشائك، وربطه بلعبة القفز من فوق الحبل، فكرةَ تجاوز الحدود، رغم خطورة المحاولة، هذه الأداة مؤذية وخطيرة بالنهاية وقد تُسبّب الموت. في معرض سابق لي استعدتُ الشريط الشائك مع تجريف الزيتون من قبل الاحتلال، أخذتُ كعاب الزيتون ولففتُها بالشريط الشائك، لأقول إنّ الزيتون لا يبقى هو نفسه حين تقتلعه من أرضه الأصلية وتزرعه بأُخرى وبأيدٍ مُحتلّة. وفي عمل آخر، صمّمتُ زوبعة من الشريط الشائك. أنا أحبّ اللعب على هذه المادّة ونسجتُ معها علاقة، بحيث تظنّها سجّادة طريّة، أو أنّ الزوبعة التي تراها عن بُعد خفيفة، وتظنّ أنه يُمكن لَمْسها، ولكنّها في النهاية من حديد يُمزّق اللّحم".

كما يتطرّق الفنّان الشابّ، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى علاقته مع جيل التشكيليّين الفلسطينيّين الرُّوّاد، يقول: "إسماعيل شموط، وتمام الأكحل، ونبيل عناني، وتيسير بركات، بل وحتى العراقي ضياء العزاوي، هذا الجيل الذهبي المُناضل، في الداخل والشتات يعني لي الكثير. وتجربتي هي إكمال مسيرة هذا الجيل، أُحبّ أن أقترب من فردية كلّ فنّان موجود في فلسطين، وإن كنتُ لا أُحبّذ الخطابات الجماعية، لأنها سرعان ما تتحوّل إلى سياسة. الفنّ بالنهاية استراتيجيا، وليس تفتيشاً عن الحُلول السريعة والآنية، الفنّ ليس الأداة الوحيدة، بل استكمال لمحاولات السياسة والنضال المُسلَّح والمقاومات المجتمعية".

ويختم بالحديث عن بيروت، والداخل الفلسطيني المحتلّ، وغزّة: "بيروت غارُ الوحي الخاصّ بي. تأثيرُها عليّ كبير، تفتح ذراعيها دائماً لكلّ الجنسيات والأفكار، حيث يُمكننا أن نجتمع في شارع الحمرا، أن نختلف ونتناقش بكلّ حُرّية وانفتاح وغنىً ثقافي، وفيها كنتُ محظوظاً بدعم الأصدقاء الفنّانين من مُختلف الجنسيات العربية. أمّا فنّانو الداخل الفلسطيني، فنحن وإيّاهم على الجبهة نفسها، وأرى في وجودنا بين الشتات والداخل تنوّعاً وغنىً كبيراً، في هذا السياق، أستحضر تيسير البطنيجي الذي يُقام معرضه 'من باب الاحتياط' في بيروت هذه الأيام. كما أستذكر فنّاني غزّة: باسل المقوسي، الصامد في القطاع رغم هول الإبادة، والشهيدة هبة زقوت التي قتلها الاحتلال، وهاني زُعرب وشادي زقزوق في الشَّتات. بعد إيقاف إطلاق النار، علينا واجبات كبيرة لأهل غزّة، الآن بدأت مرحلة صعبة من البناء والترميم، إنه الوقت المناسب لنتّخذ المُبادرة نحن كفنّانين لرفع الصوت عالياً وفَضْح مجرمي الإبادة ومرتكبيها".

المساهمون