بلال شلش.. المؤرخ والأراشيف البديلة

بلال شلش.. المؤرخ والأراشيف البديلة

15 مارس 2021
(بلال شلش)
+ الخط -

استند الباحث الفلسطيني بلال شلش في محاضرته الافتراضية "داخل السور القديم؛ حياكة بلا خيوط" التي ألقاها أمس، إلى كتابه "داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس" الذي صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ونص آخر يشتغل عليه بعنوان "شيء عابر" حول احتلال مدينة نابلس عام 1967، من خلال مذكرات رئيس بلديتها حمدي طاهر كنعان التي تضيء ما بعد الحرب وحتى استقالته في آذار/ مارس 1969.

وأضاء في المحاضرة، التي تأتي ضمن سلسلة لقاءات "فلسطين في الكتابة التاريخية" التي ينظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسات التنمية" و"مكتبة الأرشيف" في عمّان، وحاورته الباحثة نوّار ثابت، على نصوص الريماوي (1918-1982) وتتضمّن تقريره عن الجهاد المقدس المقدّم إلى رئيس الهيئة العربية العليا الحاج محمد أمين الحسيني في عام 1949، ومخطوطه عن عبد القادر الحسيني الذي خطّ مسودته مطلع الخمسينيات، إلى جانب مقالاته التي نشرها في الصحافة لاحقاً.

كما أوضح شلش أن أوراق كنعان هي ثلاث مخطوطات ونصّ مذكرات ومسوّدة صفت في الآلة الطابعة، بالإضافة إلى مقالات صحافية تغطي سيرة كنعان الذي عاش تجربة سياسية مهمة مثل رؤوساء البلديات في فلسطين بعد الاحتلال، وسيلعب دوراً في إدارة المرحلة الانتقالية حيث أصبحت المجالس البلدية الحلقة الوسيطة بين الاحتلال الصهيوني والشعب الفلسطيني.

يشتغل المحاضِر على  الروايات الشفوية، وأراشيف القمع، وأرشيف الصحافة الفلسطينية من أجل بناء سردية تاريخية

تطرّق أيضاً إلى اشتغاله بملفات كثيرة تتعلّق بفترة الاحتلال الأولى، سواء ما يسمّيه "أراشيف القمع" أو غيره من المواد التاريخية، في ضوء غياب هذه المواد، مبيناً أن تقع بين يديه نصوص خام، التي كان الكل يدرك طبيعة الأحداث والشخصيات ذات الصلة بها، لكنه يتم تجهيزها اليوم إلى قارئ معاصر من خلال دراستها وتوضيح قيمتها، وبيان سابق صعود الشخصية لكاتب النصوص عبر تقديم سيرة اجتماعية له، إلى جانب الأوضاع العامة للبلاد والتحولات التي كانت تجري خلالها الأحداث، بحيث توفّر المذاكرات لمن يقرأها أن يعيش جانباً من أجوائها.

ولفت شلش إلى عبء آخر يتركه أصحاب هذه الأوراق بسبب طبيعتها المحلية، ما يستدعي استقصاء شخصيات وأحداث عديدة، كما فعل مع أوراق الريماوي التي تتحدث عن عشرات أسماء المقاتلين المنسيين، ما يتطلب الانتقال بالنص من صيغته الهجينة بين سيرة غيرية وسيرة ذاتية وسيرة مكان لتصبح تأريخاً لتلك المرحلة، مستعرضاً نماذج من الإضرابات التي نفّذها الفلسطينيون بعد وقوع مدن الضفة الغربية تحت الاحتلال، وكيف تنسج الخيوط لتكتمل مادة هذه النصوص التاريخية، من أجل إعادة الاعتبار لكثير من المفاصل وإبراز أدوار شخصيات منسية في المقاومة.

وبيّن كيف أن جزءاً أساسي من المادة التاريخية اختفى، وجزءاً آخر يتكشف مع الزمن، كما حدث مع أوراق حامية يافا عام 1948 التي نشرها المحاضر في كتاب أيضاً، كون هذه المواد نهبت أثناء الحرب وسقطت بيد الاحتلال الذي حفظها في أرشيفه وأغلق الباب عليها حتى خرجت في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أنه في ظلّ غياب الأرشيف تتحول مادة "أرشيف القمع" إلى دليل في كثير من الحالات والظروف.

ويؤكد شلش أن هناك إشكالية في جميع النصوص الأولية، لأن اعتماد هذه الوثائق بمعناها التقليدي مصدرا تاريخيا مسلّما به سيوقع المؤرخ في كثير من المشاكل، لذلك يتعامل معها كمدخل يستدعي بحثاً في مصادر أخرى ومقابلات حيّة مع أشخاص يرتبطون مع الحدث التاريخي، والعودة كذلك إلى تقارير إدارات الاحتلال البريطاني، وأرشيف الروايات الشفوية، وأراشيف القمع، والأراشيف المحلية والشخصية، وكذلك في أرشيف الصحافة الفلسطينية اليومية، أثناء الاحتلال البريطاني وما بعده وصولاً إلى حرب حزيران 1967، أو في الصحافة العربية، أو صحافة الاحتلال الإسرائيلي نفسه، من أجل بناء سردية تاريخية من جميع هذه المصادر. 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون