باقةُ أزهارٍ واحدة في النسيان

باقةُ أزهارٍ واحدة في النسيان

06 نوفمبر 2021
قصائد لميرزا غالب معلّقة على جدران منزل بنيودلهي خُصّص للاحتفال بذكرى ولادته، 2006 (Getty)
+ الخط -

لم يدخل أحدٌ سوى قيس

قيسُ وحده مَن دخل حقل الفعل ــ
كأنّ الصحراء صارت ضيّقة كعين حسود

الجموحُ حطّ نقطة سوداء في القلب
جليّ، الندبة المحترقة لم تكن أكثر من دخان

في الحلم، تعامَل عقلي معك ــ
عندما فتحتُ عينيّ لم أجدْ مكسبًا ولا خسارة

ما زلتُ آخذ دروسًا في مدرسة القلب الأسيان
فقط تلك "مضى" مضى، و"كان" كان

لو لم يغطّ الكفنُ خزي العُري
كنتُ في كلّ لباسٍ وصمةً على الحياة

يا غالبُ، بدون فأس ما كان لكوكان أن يموت ــ
كان مضطربًا من خُمار العادات والتقاليد

إمّا أنّ العالم مدينةٌ مفتونة بالصمت
أو أنّني غريبٌ في أرض الكلام والسماع

مهما كانت السماء الدوّارة قاسية
لقد حطّمتني نظرةٌ من عين لازوَردية

لعلّها استخبرتْ عن قلبي،
أيُّ عاقلٍ يأخذ دَيْن الكلام؟


■ ■ ■ 


لا ثقة في القلب

تقولين إنّكِ لن تُعيدي إليّ قلبي، إذا عثرت عليه مهجوراً
أين قلبي ــ هل ضاع حقًّا؟ لقد تحصلّتُ عليك!

بالشغف وجدتُ طعم الحياة ــ
وجدتُ شفاء الألم، وجدتُ الألمَ العصيّ على الشفاء

إنه حليف عدوّ ــ لا ثقة في القلب
زفراتي لم تكن مفيدة، مناحاتي جميعها بلا جدوى

بالبساطة والرشّاقة، بالتواضع والمعرفة
أظهرتْ جفاءها، حاولتْ اختبار شجاعتي

بدأ البرعُم في التفتّح ثانية؛ رأيتُ اليوم قلبي
أضْحى دمًا ــ ووجدته قد خسِرَ

لا أعرف حالة قلبي ــ أكثر من هذا:
مرّاتٍ عديدة بحثتُ عنه؛ مرّات عديدة عثرت عليه

نصيحة الناصح المُرّة نثرتْ الملح على جروحي
فليسأله أحدٌ، "كيف تتلذّذ بها؟"

أين خطوة الشوق الثانية، يا إلهي؟
لقد وجدنا قَفر الاحتمالات جميعها أثَرَ قدمٍ واحدة

تمنّي الكنوز في التراب ــ عملٌ طفولي
لقيتُ الإحباط مبتسمًا، كانت كلُّ شَفةٍ عالَمًا

حين تصبح الكبدُ دمًا، تهِبُ طريقًا إلى الوردة ــ
سيفُ القاتل شَقّ قلبي.


■ ■ ■


باقة أزهارٍ واحدة في نقرة النسيان

جنّة رضوان التي امتدحها الأدباءُ كثيرًا،
لنا نحن الفقراء، باقةُ أزهارٍ واحدة في نقرة النسيان

كيف أصف قوّة سِهام أهدابها؟
صارت جميع قطرات دمي عقيقَ مسبحة

لم تستطع عظمة القاتل إسكات نُواحي ــ
القشّة التي وصعتُها بين أسناني صارت ناي قصب

سوف أُريك مشهدًا، لو سمح لي الوقت ــ
جرح القلب بذرة تطلع منها شجرة ضوء

عظمتك مصنوعة من غرفةِ مرايا
ما يفعل شعاع شمس بقطرة ندى

بِنائي به جانبٌ من خراب
جوهرُ البرق الذي يحرق الحصَاد هو دم الفلاّح الحارّ

النجيلة غطّتْ بيتي ــ حسبك أن تشاهد الخراب
الآن حارس الباب يعتاش من بيع القشّ

خفيّةٌ في الصمت، وقد صارتْ دمًا، آلافُ الأشواق
أنا المصباح المطفيّ الأخرس، من قبر رجلٍ فقير

ما زال شعاعٌ واحد من صورة المحبوب
القلب الأسود، زنزانة يوسف الخاوية

الليلة تنامين بجانبِ رجلٍ ما ــ لماذا
إذن تأتين إلى حلمي بابتسامات خفيّة؟

لا يمكن قول كم مرّة صارت دماؤهم  ماءً ــ
يوم القيامة، عندما تبتلّ أهدابُ عينيك بالدموع

يا غالبُ، أمام أبصارنا دربٌ إلى طريق النسيان
هذا رباط الوصل لأوراق العالم المبعثرة.


■ ■ ■


صعبٌ على كلّ أمرٍ

صَعبٌ على كلّ أمرٍ أن يكون يسيرا
البشر أيضًا عاجزون في أن يكونوا بشرا

البكاء يرغبُ في بيتي المدمّر
القحطُ يسيل من الأبواب والحيطان

مرحى يا جنون الشوق ــ في كلّ لحظة
عليّ المضيّ في هذه الطريق، أنا وحدي مَن تتلبّسه الدهشة

المجدُ يطلبُ ذلك من البصر ــ
حتى الخطوط الملمّعة على المرآة تريدُ أن تصير أهداب العين

الاحتفال عند مذبحة الوجد ــ لا تَسَلْ
العيدُ وسط المشاهد سيفٌ عارٍ

للمتعة أخذتُ جرح الشغف إلى التراب 
تبقين أنت ــ أمّا أنا سوف أكون مائة حديقة ملوّنة

فُتاتُ القلب ينُعش جُرح الصبابة
الكبد الجريحة تسقط في صحن الملح

بعد مقتلي، تخلّيت عن القسوة ــ
يا للحسرة ــ توبةُ تلك التوّابة السريعة

يا حسرتاه، يا غالبُ! قَطْعُ ذلك الجزء من القماش
أيّ مآلٍ يجعلك طوق العاشق.


■ ■ ■


من عروق الصخرة سالتْ دماء

الاتحاد معها ــ لم يكن ذلك مقدّرًا لي
حياةٌ مديدة لا تعني إلّا مزيدًا من الانتظار

لو عشتُ في وعدكِ ــ تعلمين، أنّني أعرف زيفه
لو صدّقته، كنتُ سأموت من الفرح؟

من هشاشتك عرفتُ أنّ نَذركِ لم يكن وثيق العُروة ــ
ما كنتِ ستقطعينه لو كان متينًا

دعي أحدًا ما يسأل قلبي عن تلكّؤكِ في رمي السهام
كيف أحسستُ بهذه الرعدة، بسهمٍ في صميم كبدي

أيّ صداقة هذه، عندما يصبح الأصدقاء ناصحين؟
هل مِن أحدٍ يساعدني، هل مِن أحدٍ يشفق عليّ؟

من عروق الصخرة سالتْ دماءٌ
إنْ ظننتِ "الأسى" كان ومضةً وهّاجة

رغم أنّه قاتل، كيف الهروب، حين يملك المرء قلبًا؟
إذا غاب شجى الشوق، كان أسى اليوم العابر الغالب

لمن أصفه ــ ليلُ الحزن مؤلمٌ
لماذا أميل إلى الموت، إن كان يحدث لمرّةٍ واحدة؟

بعد الوفاة صرتُ ملطّخًا بالعار، لماذا لم أُغرق نفسي في البحر؟
عندها لا حاجة إلى جنازة، ولا حاجة إلى ضريح

مَن يراه؟ تلك هي الفردانية النادرة
صِدام ومواجهة، حتى بقليلٍ من المثنوية 

يا غالب، هذه الأسئلة الصوفية الشامخة! وسيلتكَ 
كنّا سنعتبرك وليًّا، لو لم تكن شارِبَ خمر.


■ ■ ■


أتذكّرُ عيونًا مبلّلة

مرّةً أخرى أتذكّرُ عيونًا مبلّلة
اشتياقَ القلب والكبد للنواح

لم يأخذ يوم القيامة نَفَسه بعد ــ
مرّة أخرى أتذكّرُ وقتَ رحيلكِ

بساطة الشوق ــ ذلك الذي كان
مرّةً أخرى أتذكّرُ دهشةَ المرأى

التعذّر بالتعب، آهٍ يا شوق قلبي
اعتدتُ النواح ــ تذكّرتُ الكبد

كانت الحياة ستمرّ على كلّ حالٍ ــ
لماذا أتذكّرُ شارعكِ؟

يا حسرتي، أين شجاعة الشكوى؟
مستاء من القلب، تذكّرتُ الكبد

مرّة أخرى خاطري يذهب إلى شارعكِ ــ
لعلّه تذكّرَ القلب الضائع

آهٍ، خرابٌ موحشٌ كالخراب!
رؤية الصحراء ذكّرتني ببيتي

أيّ قتال سوف أخوضه مع رضوان
إن تذكّرتُ في الجنّة بيتي

في الصِِّبا، غالبُ ضدّ المجنون
التقطتُ حجرًا، لكنّ رأسي لم يمسسه شيء.


■ ■ ■


أن تحفر نفقًا في الحجَر

اللوحة ذاتها تحتجّ ــ على مَن صنع بخَبْتٍ هذه الخطوط؟
كلّ شكلٍ في الصورة يرتدي ثوب الشاكي الورقيّ

الحفر العميق في طبقات العزلة القاسية ــ ليس لك أن تسأل
كي تأتي من الليل إلى الفجر احفرْ نفقًا في الحجَر

دفْقُ الشغف الوحشيّ ــ عليك أن تراه
نَفَسُ السيف المسلول من غمده

كيف ينشر الصحو شبكته
مملكة كلماتي تُخفي طائر المخيّلة

يا غالبُ، حتى في الأصفاد تتلظّى بالقلق
كلّ عروة في أغلالك شعرةٌ صهدتْها النار.


بطاقة
يُعَدّ ميرزا غالب (هنا تمثالٌ نصفي له في مدينة نيودلهي) من أكبر شعراء اللغة الأرديّة، وشبه الجزيرة الهندية بشكل عام، وأكثرهم تأثيراً. وُلد عام 1797 في مدينة أغْرة، جنوب نيودلهي، ورحل في 1869. عاصرَ آخر إمبراطورية مغولية حكمت بلاده، كما عرف الاحتلال البريطاني للهند في سنواته الأولى (منذ 1857). كتب غالب بالأرديّة والفارسية، ونشر ديواناً يضمّ أعماله وآثاره، على طريقة الشعراء العرب القدماء، عام 1841.


* ترجمة: عاشور الطويبي

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون