بارغاس يوسا.. معادلة الرواية

18 ابريل 2025
امرأة توقّع في كتاب تعاز في وفاة يوسا داخل مكتبة تحمل اسمه بمدريد، 15 إبريل 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ماريو بارغاس يوسا تميز بقدرته الفائقة على المزج بين فن الرواية والسياسة والجنس، دون أن يجترح تقنيات جديدة، بل استخدم المعروفة منها بمهارة، مما جعله يشكل تحدياً حقيقياً للروائيين في العالم.
- لم يتبع يوسا تيار الرواية العجائبية في أمريكا اللاتينية، بل اختار تقديم خطاب سياسي واضح في رواياته مثل "ليتوما في جبال الأنديز" و"حرب نهاية العالم"، مستخدماً تقنيات روائية رفيعة المستوى.
- في مقاربته للجنس، كما في "دفاتر دون ريغو بيرتو"، حافظ يوسا على توازن دقيق بين الفن والمادة الإشكالية، محققاً معادلة صعبة دون الانزلاق نحو الإباحة.

بمَ يختلف ماريو بارغاس يوسا (1936 - 2025) عن غيره من الروائيّين في أميركا اللاتينية أو في العالم؟ الراجح عندي هو تلك القدرة الفائقة على المزج بين فنّ الرواية؛ حيث حافظ على هذا الفن في أبهى صوره وإمكاناته دون أن يجترح في أية رواية من رواياته تقنية روائية مختلفة عن التقنيات الروائية في العالم، وبين كلّ من السياسة والجنس.

لم يقارب يوسا الرواية العجائبية التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين في القارة اللاتينية كلها، وأنجزت ما سُمّي بالانفجار التقني أو الفني الذي أدهش العالم بالجديد الذي اقتحم عالم الخيال، وجعل من الخرافة والأسطورة والحكاية والمعتقد الشعبي البسيط أو المعقد جزءاً من تصوّر الإنسان عن العالم والحياة والكون والوجود كله.

يوسا، الذي رحل عن عالمنا الأحد الفائت، عن عمر يناهز 89 عاماً، لم يسر في هذا التيار، على الرغم من أنه عاصر جميع الكتاب، وعرفهم، وعرَّف بهم في كتبه النقدية، معجباً، ومناصراً. لكنه اختار أن يُنجز أعماله الروائية في منحى آخر، وهو المنحى الذي يشكّل تحدياً حقيقياً للروائيين في العالم. أي أن يجمع في هذا الأدب بين أمرين صعبين، جمعاً إبداعياً لا يخل بأحدهما ولا يترك أحدهما يطغى على الآخر داخل النص الروائي. بل إنه جعل كلّاً من الخيارين يخدم الآخر، بما يشكّل سابقة إبداعية فريدة هي في نهاية الأمر، وقد رحل الروائي عن عالمنا، هذا الروائي البارز.

مقاربة الجنس دون أن تتحوّل الرواية إلى عمل إباحي مكشوف

أما الخطاب السياسي، فقد ظهر في رواية "ليتوما في جبال الأنديز"، و"حرب نهاية العالم"، و"حلم السلتي"، و"قصة مايتا" حيث قدم في كلِّ رواية منها تقنيات فنيّة رفيعة المستوى، كما كان يوسا متمكّناً من تقديم الخطاب السياسي الواضح لشخصيات رواياته، وقد استثمر كلّ التقنيات الروائية المعروفة في العالم، من فلوبير إلى ميغيل أنخل أستورياس، صاحب رواية "السيد الرئيس"، كذلك استخدم تقنيات الروائي الأميركي وليم فوكنر الصعبة التي تنحو نحو تيار الوعي والمونولوج الداخلي، من أجل تقديم هذا الخطاب بأفضل ما يمكن من الوضوح.

ولديه في كل واحدة من هذه الروايات شخصيات تتحاور في السياسة، أو في فلسفة السياسة، أو في الحروب التي تستهدفها السياسة حواراً غنياً لا يقترب من المباشرة، ولا يسمح للتعصّب أو التطرّف، أو الأفكار المُعادية للإنسان بأن تتجاوز دفتي الكتاب، وأن لا ينحاز هو أيضاً، بكونه روائياً، أو راوياً، إلى جانب دون جانب آخر.

أما المنحى الثاني، فهو مقاربة الجنس دون أن تتحوّل الرواية إلى عمل إباحي مكشوف، كما في "دفاتر دون ريغو بيرتو" و"امتداح الخالة"؛ وهي الجزء الثاني المستقل من الرواية السابقة. في كلتا الروايتين، يحقق يوسا المعادلة الصعبة من جديد، أي أن يبقى فنّ الرواية القائد المظفر لكلّ الأفكار والأحداث والشخصيات، وأن تتسلل المادة الإشكالية (وهي الجنس هنا) التي ينزلق كثيرٌ من الروائيين وراء مغرياتها التشويقية. وتلك هي المعادلة الصعبة التي تمكّن الروائي الراحل من تحقيقها بمهارة المبدع الفنان.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون