"باب العامود" لـ إسماعيل الدباغ.. القدس في زمن التغييب

"باب العامود" لـ إسماعيل الدباغ.. القدس في زمن التغييب

15 يناير 2021
(إسماعيل الدباغ)
+ الخط -

منذ عام 2013، يواصل المخرج والكاتب والممثّل الفلسطيني إسماعيل الدباغ تقديم مسلسله "باب العامود" في عدّة أجزاء، وهو عمل صبور يكشف التهويد المتواصل الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني على مدينة القدس المحتلة من خلال التضييق على أهلها من أجل دفعهم إلى مغادرتها، في لحظة عجز تاريخية تحيق بالعالم العربي الذي تهرول بعض أنظمته للاعتراف بالعدو والتخلّي عن الحقوق الفلسطينية والعربية بعد سلبها لأكثر من سبعة عقود.

في نيسان/ إبريل المقبل، تبدأ التحضيرات للجزء الرابع من العمل الدرامي الذي تمّ تجاهل مواسمه الثلاثة الماضية من قِبل الفضائيات العربية، بحسب تصريحات مخرجِه إلى "العربي الجديد"، الذي يرى أن ذلك يأتي ضمن سياسات تتقصّد تغييب المدينة المقدسة عن شاشاتها، ما يشكّل إمعاناً في محاصرتها وعزلها عن امتدادها العربي الإسلامي.

يقول الدباغ إنه "في ظلّ مهرجانات التطبيع الترامبية، لم يتغيّر شيء سوى خروج بعض المهرّجين المطبّعين بين الحين والآخر لتقديم الطاعة والولاء لسيّدهم بشكل مخزٍ، وهم يتحدثون العبرية بطريقة تجعلك تضحك حدّ الهستيريا على تفاهتهم وضيق مداركهم، وهم كمن يتغنّى بمومس ويغدق عليها بالهدايا الثمينة، وينسي أنها قبضت الثمن!". ويتساءل: "كيف لفنان أن يقاوم هذا الفعل؟ هذه الأفعال لا تقاوم من خلال الفن؛ الفن له أصولُه ومداركه الإنسانية، وهؤلاء لا يستحقون أن تقاومهم ثقافياً. نتركهم لحالهم ونشفق عليهم ممّا ينتظرهم من سوء المآل".

إنتاج عمل فني في فلسطين اليوم أشبَه بالمهمة المستحيلة

يتابع صاحب مسرحية "شارع فساد الدين" بأن "إنتاج عمل فني في فلسطين اليوم هو أشبه بالمهمة المستحيلة، فما بالك بإنتاج مسلسل درامي يُصوَّر في القدس؛ هذا المستحيل بعينه. نحن فنانون مغامرون ومقامرون في آن واحد، إذ ليست هناك أيّة جهة داعمةٍ، ونحن ننتج من العدم ودون ضمانات الاستمرار. لا أصدّق أحياناً أننا أنجزنا ثلاثة أجزاء أفرحت وأسعدت الجمهور في فلسطين وخارجها، فجميعنا بات يعرف حسن بظاظو مصلّح الغسالات، والفرّان أبو جابر، وخليل كمونة، وحسنيّة زوجة حسن، المقدسية المحبّة لزوجها ومدينتها؛ هؤلاء هم المغيبون عن شاشات الإعلام العربي، وهم أصحاب البيت ولهم الحقّ في إيصال صوتهم وأحلامهم البسيطة".

ويوضح الدباغ لـ "العربي الجديد" أن "هؤلاء هم من يرفضون المساعدات الغذائية التي تأتي للمقدسيين، وهم ليسوا بحاجة إليها، كما قال حسن في أحد مشاهد المسلسل المؤلمة، حين طُرد من بيته فتكاتف أهل الحارة وقاموا بإغاثته وجمع ما تيسّر لإيوائه في بيت جديد. رِسالة حسن تقوم على التكاتف والتعاون وعدم قبول الفتات: بس يتركونا بحالنا!".

يمثّل المسلسل فعل احتجاج على كلّ ما يهدّد المقدسيين من ضرائب جائرة يفرضها الكيان المحتلّ، وأزمات اقتصادية تقود إلى تشوّهات في القيم والسلوكيات الاجتماعية، حيث البطالة ترتفع معدّلاتها لدى شباب المدينة، ولا يجد طلبتها فرصة تعليم في المدارس الحكومية، فيما يواجه العديد من بيوتها العتيقة خطر الهدم دون وجود مشاريع لإعادة تأهيلها.

اختار الدباغ، ابن حيّ باب العامود الذي عاش فيه طوال حياته، أن يصوّر كلّ تلك المشاهدات في شوارع مدينة القدس وأزقتها وبيوتها ومحلّاتها التجارية، في محاولة لإخراج ما في داخل "الصندوق الأسود"، كما يسمّي المدينة العتيقة، من أسرار وخفايا يعتقد أنها تحتاج إلى إنتاج عشرات الأعمال الفنية من أجل تقديم صورة حقيقية عنها. وهو ما يسعى فريق العمل إلى كشف بعض منه: "هذا دورنا نحن أصحاب البيت. نقوم بواجبنا كفنانين تقطّعت بهم السبل، ولكنّهم لا يقبلون المال الملوّث من القنصليات الأجنبية".

تُصوّر جميع مشاهد العمل في شوارع القدس وبيوتها ومحلّاتها

يضيف الدبّاغ: "يستمد العمل جماهيريّته من لهجة أبطاله المقدسيّة الأصيلة وابتعاده عن اللغة الخشبية، إضافةً إلى خفّة ظلّ شخصياته، وتحديداً حسن وزوجته حسنيّة اللذين يحاولان الدفع بحالتهم الاجتماعية والاقتصادية إلى الأمام. العمل سهل ممتنع، بعيد عن الكليشّيهات الوطنية، ويُعتبر بمثابة نافذة نرى من خلالها الحياة المقدسية تحت الاحتلال من منظور مغاير تماماً للمسلسلات والشاشات العربية التي تتعامل مع القدس بمنطق عاطفي بحت".

تمكّن مؤسس "مسرح الرواة" من خلال مسلسله من أن يكسر القيود التي تحوْل دون إنتاج دراما عربية وفلسطينية تُصوَّر في القدس المحتلة، حيث يُثبت مسلسل "باب العامود" أنّ من الممكن التغلّب على الاحتلال والتصوير ضمن ظروف إنتاجية صعبة وبميزانية متواضعة إلى أبعد الحدود. ويؤكّد أنْ "لا طائل من نقل المسلسل لحوادث الاعتقال والهدم والتدمير في القدس على نحو صريح وسطحيّ كما يفعل العرب، لكون الاحتلال يجيد ذلك واقعاً أكثر منه تمثيلاً".

يتابع مخرج مسرحية "الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة" (2008): "لقد استطعنا أن نتلفز المسرح ونقدّم أعمالنا المسرحية بتوليفة تلفزيونية تحمل اسم "باب العامود"، الذي سيحمل الجزء الرابع منه عنوان "الثبات"؛ الثبات في أقصى تجليّاته لدى المقدسيين الذين تؤدّي أدوارَهم شخصياتٌ شعبية وقريبة من القلب لا تستطيع العيش إلا داخل القدس العتيقة، رغم كلّ قيود الاحتلال والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم، وضيق ذات اليد، وجحود الأنظمة العربية ونكرانها للحق الفلسطينيّ. ما زال هناك أملٌ يدفعنا إلى مزيد من العمل، وإلى مزيد من الفن، وإلى مزيد من الحياة".

ويوضّح أن الموسم الجديد يعرض محوراً جديداً يتمثّل في "عودة أحد المقدسيين من بلد عربي مجاور لبيع بيته، والإقامة في الشتات"، لافتاً إلى أنه "جرى التواصل مع عدّة محطّات عربية لدعم إنتاج المسلسل، لكننا لم نتلقَّ أي جواب مقنع لعدم قبوله".

يشارك في الموسم الجديد كلّ من: مايا أبو الحيات (حسنيّة)، وإبراهيم خطاري (زهدي بظاظو)، وعدنان أبو سنينة (خليل كمّونة)، وعامر خليل (اللحام أبو كايد)، ومحمود أبو الشيخ (أبو جابر الفران)، وآخرين؛ والعمل من تأليف محمد الأحمد الذي عمل مع الدباغ من قرب في كتابة أجزاء المسلسل.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون