أوستن هنري لايارد.. جاء يكتشف آثار الهلال الخصيب

أوستن هنري لايارد.. جاء يكتشف آثار الهلال الخصيب

11 فبراير 2021
تمثال آشوري في "المتحف الوطني العراقي" (Getty)
+ الخط -

أثناء تنقيبه، عام 1849، في قصر الملك سنحاريب بمنطقة نينوى، في شمال العراق، عثر أوستن هنري لايارد على أجزاء كبيرة من مكتبة آشور بانيبال (أُسّست في القرن السابع قبل الميلاد)، التي نُقلت ألواحُها إلى لندن، لتُعاد من خلال قراءتها معرفةُ تفاصيل مهمّة تتعلّق بمظاهر صعود الحضارة الآشورية وازدهارها العلمي والاقتصادي.

اكتشافٌ دفع الرحّالة وعالم الآثار البريطاني (1817 – 1894) إلى تدوين أسفاره الطويلة إلى بلاد الرافدين وإيران، حيث نشّر عدّة مؤلّفات، منها "المغامرات الأولى في بلاد فارس وساسان وبابل" (1887)، والذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن "دار المأمون" بترجمة محمد حسن علاوي ومنذر كاظم حسين.

أبدت قبائل عربية وفارسية وكردية شكوكاً تجاه رحلته الاستكشافية

يروي المؤلّف، الذي تعلّم العربية والفارسية، فصول رحلته التي تمتدّ لأربعين عاماً في مرحلةٍ شهدت فتَراتٌ منها انعدام الاستقرار في العراق، الذي كانت تحكمه السلطنة العثمانية، وكذلك إيران، خلال فترة الحكم الصفوي. كما يتوقّف عند تعرّفه على سكّان المدن والقبائل الساكنة في محيطها، وتفاصيل لقاءاته مع عدد من الولاة والمسؤولين.

يعكس الكتاب ذلك التنافس الشديد بين الأوروبيين في منتصف القرن التاسع عشر للتنقيب في آثار الهلال الخصيب، حيث كانت البعثات العربية والعثمانية غائبةً لمائة عام مقبلة. وكانت السفارة البريطانية قد أوفدت لايارد سنة 1845 إلى موقع تل نمرود (30 كلم جنوب الموصل)، وإلى قلعة الشرقاط التي يعود تأسيسها إلى أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة عام، وإلى تل قوينجق.

الصورة
غلاف الكتاب

يتناول صاحب كتاب "اكتشافات نينوى وبابل" قدومه إلى المنطقة متنقّلاً بين مدن فلسطين والأردن وسورية، قبل أن يغادر حلب متوجهاً إلى بغداد التي سيقيم فيها فترة ثم يرتحل إلى كارمنشاه وهمدان في الغرب الإيراني، ومنها إلى أصفهان، متجوّلاً بين قصورها القديمة. سيعود بعد ذلك إلى العراق، لتنطلق على نحو جدّيّ عمليات الحفر والتنقيب.

يلفت الناشر إلى أنّ لايارد يسرد ما عايشه من أحداث "بأسلوب المذكرات الشّخصية بتفاصيل دقيقة تتعلق بتلك الرحلات"، ولكنّه يضيف: "لا يُعدّ من أساليب البحث العلمي؛ إذ يتخلله انحياز للأنا ممتزج بالحقائق تارة وبالتزييف تارة أخرى. وعلى الرغم من ذلك، نستطيع القول إن هذا الكتاب بمثابة أيقونات أدبية تعطي فكرة عامة عن تلك الحضارة، وتجعل القارئ يتنقّل مع صفحات الكتاب بكل الأماكن التي ارتحل إليها المؤلف في مغامراته الاستكشافية".

يندرج الكتاب في إطار أدب الرحلة الذي امتزج بقدر عالٍ من المعرفة لدى أصحابه، من خلال تضمينه الرسوم التوضيحية والخرائط حول الأماكن المتوقع وجود آثار فيها. وكان يَعتقد أبناءُ المنطقة أن هذه الخرائط تضمّ معلوماتٍ لإيجاد الذهب المخبأ داخلها. كما تغافلت الدولة العثمانية عن أنشطة هؤلاء الرحّالة، باسثتناء بعض مسؤوليها، ومنهم والي الموصل، الذي يشير المؤلّف إلى أنه مارس ضدّه بعض التضييقات، عازياً أسباب ذلك إلى "رغبة الوالي في الاستحواذ على الآثار الآشورية ووضعها في قصره".

تلك تفاصيل المشهد الذي كان يتوارى خلفه علماءُ الآثار الأوروبيون خلال بحثهم عن أدلّة تدمغ وجوداً سابقاً لهم، من أجل "تبرير الاستيلاء الاستعماري على المنطقة"، بحسب المترجمَيْن، اللذين يبيّنان في مقدّمتهما أنّ لايارد "عمل بجدّ كي يتقن الحروف العربية والقليل من الفارسية، إضافة إلى تعلّم الطب وعلاج الأمراض الشّائعة".

نقل المؤلّف مشاهداته وما صادفه من أماكن وآثار، مسجّلاً التسمية القديمة لها، ليضع في النهاية كتابه الذي يأتي "بمثابة وثيقة تاريخية مهمّة وإن شابها التحريف في وصف عادات القبائل العربية والفارسية والكردية التي واجهته بشكوكها تجاه رحلته الاستكشافية"، بحسب المقدمة نفسها.

المساهمون