الموسم الفني في بيروت بعد الحرب والانهيار

24 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 06:03 (توقيت القدس)
من معرض "شواهد النار" (بإذن من ملتقى دلول للفنانين)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد المشهد الفني في بيروت انتعاشاً مع افتتاح معارض عديدة، مما يعكس حيوية السوق الفنية رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، ويعتبره البعض وسيلة آمنة لحفظ الأصول.
- من المعارض البارزة، "شهود الزُّور" للفنان ضياء العزاوي و"شواهد النار" في ملتقى دلّول، حيث يتناولان قضايا عربية معاصرة ويوثقان التاريخ العربي من خلال الفن.
- تسعى الغاليريات لاستقطاب أسماء عربية بارزة وتعزيز التعاون مع المؤسسات الخليجية، مما يوسع نطاق تأثيرها ويعكس تنوع الوسائط والأساليب الفنية.

مع حلول الخريف، تشهد بيروت افتتاح العديد من المعارض في ما يُعرف بموسم "الدخول الفني" الذي يشكّل فرصة لقراءة سمات المشهد الفني اللبناني وإعادة إحياء النقاش حول واقع الفنّ وعلاقته بالسوق العربية. ورغم الانهيار الاقتصادي والحرب اللذين مرّ بهما لبنان في السنوات الماضية، يُظهر المشهد بوادر انتعاش نسبي، يتجلّى في ازدياد عدد الغاليريات وتنامي حركة سوق الاستثمار في الفن. وإن كان البعض يربط هذا النشاط بآليات اقتصادية آمنة لحفظ الأصول في ظلّ استمرار الأزمة المالية.

من بين الأسماء البارزة هذا العام، يحضر الفنان العراقي ضياء العزاوي (1939) بمعرضه "شهود الزُّور" المقام حالياً في غاليري صالح بركات، وهو مشروع استغرق عدة سنوات من الإعداد والتخطيط، وفقاً لما ذكره القيّم اللبناني ومالك الغاليري في حديثه إلى "العربي الجديد". ويُعدّ المعرض محطة مهمّة لفهم رؤية العزاوي الفنية من منظور الراهن العربي، بدءاً من ثورة تشرين العراقية عام 2019، مروراً بتدمير الموصل وحلب، وصولاً إلى رسوماته من سلسلة "ليلة الإبادة" (2023) التي يتناول فيها الحرب على غزة. يعمل الغاليري، وفقاً لبركات، بخطة تمتد حتى مطلع عام 2027، تهدف إلى تقديم برمجة متنوعة تضم مزيجاً من الأسماء، ومن بين الفنانين الذين سيقترحهم خلال الموسم الجديد: ريبال ملاعب، وجان بوغوسيان، ومحمد الرواس، وندى رعد.

وفي السياق نفسه، يشهد الخريف معرضاً جماعياً بعنوان "شواهد النار: شهادات من الفن العربي"، وهو ثاني تظاهرة يحتضنها ملتقى دلّول للفنانين بعد افتتاحه، أخيراً، بوصفه امتداداً لـ"مؤسسة رمزي وسائدة دلول للفن"، ويضمّ أعمال ثلاثة وعشرين فنّاناً عربياً ولبنانياً. في حديثه إلى "العربي الجديد"، يوضّح المؤسس والمدير العام للملتقى، الدكتور باسل دلول، أنّ "المعرض يعكس ثقل تاريخنا، ودور الفنانين في توثيقه، وهذا ما يقدّمه 'شواهد النار' الذي يتضمّن اشتغالات عديدة بدءاً من الجدارية المنسوجة الضخمة التي تمثّل مجزرة صبرا وشاتيلا، وأنجزها الفنان ضياء العزّاوي، عام 2018، بالاستناد إلى عمله الأصلي المتعدد الألواح على الورق بين عامَي 1982 و1983، ومروراً بتحفة الفلسطيني عبد الرحمن قطناني المصنوعة من الفولاذ، ووصولاً إلى لوحات المغربي محمد القاسمي النبوئية. وكان من الطبيعي أن نبدأ بهذا المعرض لأنه يجسّد جوهر رسالة ملتقى دلّول للفنّانين، ألا وهي وضع الفنانين وأعمالهم في صميم السرد الجماعي".

توسّع في تأثير الغاليريات المحلية واستقطابها أسماء عربية

وعن خطة الملتقى للعام المُقبل يُضيف: "في حين نعمل على إبراز اشتغالات فنانين بارزين، مثل اللبنانيَّين أيمن بعلبكي وكاتيا طرابلسي والعراقي محمود العبيدي، نسعى أيضاً إلى دعم فنانين شباب ومستقلّين قد لا يملكون مقرّاً مؤسسيّاً بعد. إنّ خطتنا تتناول جانب التنسيق الفني والبنيوي على السواء، وذلك من خلال توسيع البرامج، وتعزيز خدمات الفنانين، وترسيخ ملتقى دلّول للفنّانين كمنصّة تلتقي فيها الممارسة الفنية بالدعم المهني".

من معرض عادل عابدين -القسم الثقافي
من معرض عادل عابدين في "غاليري تانيت" (صفحة الغاليري على فيسبوك)

كذلك تواصلت "العربي الجديد" مع منسّق المعارض في غاليري تانيت، إبراهيم الخطيب، الذي بيّن أنّهم يفضّلون افتتاح الموسم عادةً بفنّانين سبق أن تعاونوا معهم، ومن هنا جاء اختيار العراقي عادل عابدين (1973) لافتتاح الموسم بمعرضه "ما تبقّى". وتلقى أعمال عابدين صدى واسعاً في العالم العربي، وفقاً للخطيب، كونه حاز عام 2023 جائزة إثراء في السعودية عن عمل بعنوان "عن"، فضلاً عن امتلاكه أعمالاً جديدة متعددة الوسائط وغير تقليدية. ولفت الخطيب إلى أن السوق اللبنانية تعتمد، إلى حدٍّ ما، على المؤسسات الفنية الخليجية من متاحف وغاليريات تفتح الباب لعرض الأعمال دولياً وتضمن انفتاحاً على شرائح مختلفة من الزوّار والمقتنين.

ويلتقي مع هذه الرؤية المؤسس والمدير العام لملتقى دلول للفنانين، الذي يرى بدوره أن السوق الفني في لبنان طالما كان مرتبطاً بالعالم العربي والخليج. فكثير من كبار جامِعي الأعمال الفنية لبنانيون، حتى وإن عاشوا في الخارج، ما يجعل بيروت ركناً أساسيّاً في هذا القطاع. ولا يراه "ارتباطاً تبعيّاً بقدر ما هو تكامل بحدّ ذاته" وفقاً لتوضيحه.

معارض أُخرى يشهدها الموسم الجديد، حيث تستهلّ التشكيلية اللبنانية غادة زغبي الموسم الفني في غاليري جانين ربيز بمعرضها "ما بين الغبار والفجر"، مقدّمةً مجموعة من الأعمال التي تتأرجح بين التعبيرية والرمزية. ويواكب هذا الافتتاح معرض الفنان السوري عبد قاشا "تأمّل طويل" في غاليري كليم بشارة، فيما كان متحف سرسق قد استبق الموسم، في منتصف  يوليو/ تموز الماضي، بافتتاح معرض جماعي بعنوان "مفهوم الأيقونة"، أمّا الفنانة الفلسطينية سامية حلبي فتطلّ بمعرضها "تجريد متحرّك" في غاليري صفير زملر، في حين يفتتح غاليري ضفاف أول معارضه، مساء اليوم الأربعاء، بمعرض "مكتوب" للمصريّين مريم أبو طالب ووليد طاهر.

بهذا يعكس موسم "الدخول الفني" توسّعاً في نطاق تأثير الغاليريات المحلية لاستقطاب أسماء عربية والتقاطع مع شبكات مؤسساتية داعمة. كما توحي كثافة العروض وتنويع الوسائط والأساليب بأن الموسم يسعى لإعادة تعريف قاعدة الجمهور والمقتنين، من خلال طرح موضوعات راهنة تتقاطع فيها الرؤية السياسية والاجتماعية مع التجربة الجمالية.

المساهمون