"المماليك": فنون وحِرَف تجاوزت الحدود

24 ابريل 2025
"معمودية القديس لويس"، صنعت في سورية أو مصر خلال القرن الـ14 (موقع اللوفر الإلكتروني)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يقدم كتاب "رسالة في الفروسية" لمحمد بن عيسى الأقصرائي دليلاً شاملاً للفنون الحربية في العهد المملوكي، مع التركيز على الأحكام الشرعية المتعلقة بالغنائم والجهاد.
- يُعرض الكتاب ضمن معرض "المماليك 1250 – 1517" في متحف اللوفر بباريس، الذي يضم أكثر من 260 قطعة فنية وتاريخية تعكس التطور الفني في العهد المملوكي.
- يتوزع المعرض على خمسة أقسام تبرز هوية الدولة المملوكية وتنوع المجتمع، مع التركيز على الثقافة المتشابكة والفن المملوكي.

في كتابه "رسالة في الفروسية" الذي خطّه في دمشق، وتحتفظ بنسخة منه المكتبة البريطانية، يضع محمد بن عيسى الأقصرائي دليلاً تدريبياً على الرماية والمبارزة والأسلحة النارية وإعداد الجندي وبناء الجيوش وعقيدتها دون إغفال الأحكام الشرعية المتعلقة بالغنائم والجهاد، شأن مؤلفات كثيرة وصلتنا من العهد المملوكي الذي راجت فيه كتب الفنون الحربية.

هذه الرسالة إلى جانب نسخٍ من المصحف الشريف، وكليلة ودمنة لابن المقفع، ومقامات الحريري، وغيرها من المخطوطات، يتيحها للزوّار معرض "المماليك 1250 – 1517"، الذي يفتتح الأربعاء، الثلاثون من الشهر الجاري، في "متحف اللوفر" بباريس، ويتواصل حتى الثامن والعشرين من يوليو/ تموز المقبل.

يشير المعرض إلى ازدهار التدوين في مرحلة دامت نحو قرنين ونصف القرن عكسه الاهتمام بالتأليف الموسوعي في الأدب والتاريخ والجغرافيا والرحلة، برعاية مباشرة من السلاطين، ذوي الأصل التركي والقوقازي، كما يبيّن كيف أن البراعة في القتال بنت أسطورة حكمهم، الذي امتدّ على مساحة واسعة شملت بلاد الشام ومصر وأجزاء من ليبيا والحجاز وشرق الأناضول، واستطاعوا صدّ التهديد المغولي، وطرد الفرنجة من آخر معاقلهم في المنطقة.

برز التأليف الموسوعي في الأدب والتاريخ والجغرافيا والرحلة

من بين مئتين وستين قطعة معروضة، ثمة درع مصفح من الفولاذ والحديد مزخرف بنقوش دمشقية، يزن أكثر من 11 كيلوغراماً، ويعود للسلطان قايتباي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وكذلك نقش باسم الأمير مقبل الرومي الذي سكن دمشق من الذهب والجلد والنسيج وشعر الخيل، إلى جانب خوذة للسلطان سيف الدين برسباي مصنوعة من الفولاذ الشامي المذهب.

لم تلغ العسكرة التي طغت على تلك المرحلة، ووثقتها المصادر التاريخية، سواء في سيطرة قادة الجيش على معظم مفاصل السلطة، أو تعظيم مكانة الجند، فضاء آخر تفاعل فيه السلاطين والأمراء المماليك مع النخب المدنية من حرفيين وصنّاع وفنانين ومعماريين، خاصة مع توسّط الدولة المملوكية ممالك نشأت في أوروبا وأفريقيا وآسيا آنذاك، وازدهار التجارة في زمنهم على نحو كبير ساهم في تبادل واسع للبضائع والأفكار والصناعات، والأهم من ذلك نقل الأعمال الفنية إلى الأسواق المجاورة.

أحد الأعمال الفنية، استعاره "اللوفر" من "متحف الفن الإسلامي" في الدوحة، وهو مبخرة باسم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، صُنعت من سبيكة نحاسية منحوتة، مطعّمة بالذهب والفضة والمعجون الأسود، وتعود إلى ثلاثينيات القرن الرابع عشر. كما تُعرض مزهرية من الخزف الصقلي نُقشت عليها زخارف وأبيات من الشعر، وإناء زجاجي مطلي بالمينا والذهب، وتظهر عليه مجموعة من الأسود، وتجسيم لشخصيات من مسرح الظل الذي انتشر في معظم الحواضر المصرية والشامية خلال تلك الحقبة.

يعكس المعرض أيضاً التطوّر الهائل الذي شهدته فنون النحت والرسم والديكورات والتصميم الداخلي والعاج والخشب والنسيج وصياغة المعادن والجواهر، وكذلك حركة التأليف والنشر التي شملت معارف وعلوماً متنوعة. وتتوزّع الأعمال على خمسة أقسام، الأول يضيء هوية الدولة التي أسّسها قادة عسكريون، والثاني يركّز على تعدّد المجتمع وصعود المرأة وطبقة الكتّاب والتجار والحرفيين في المجتمع الذي عرف تعايشاً بين الطوائف والمذاهب المختلفة، بينما يقدّم القسم الثالث الثقافة المتشابكة على أسس عسكرية ودينية وتقنية، ويهتم الرابع بارتباط المماليك مع محيطهم من دول وشعوب، ويخصص القسم الخامس للفن المملوكي الذي يجمع بين الخط والتصميم والحَرف.

المساهمون