القصة القصيرة.. خارج دائرة النشر والجوائز

13 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 05:03 (توقيت القدس)
عمل لـ ضياء العزاوي، غواش على ورق، 1980
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه القصة القصيرة في العالم العربي تحديات كبيرة في ظل تفضيل الروايات، حيث تفتقر إلى منصات نشر معروفة ومؤسسات راعية وجوائز تنافسية تمنحها الاهتمام اللازم، مما يحد من انتشارها وتأثيرها.

- رغم الانتعاش النسبي للجوائز الأدبية العربية، تظل الجوائز المخصصة للقصة القصيرة قليلة، باستثناء جائزة الملتقى في الكويت، بينما تحافظ دور النشر المصرية على حصة معقولة في إصدارات القصة القصيرة.

- مستقبل القصة القصيرة يعتمد على إعادة بناء بيئتها الحاضنة في السياق الرقمي، مع ضرورة وجود منصات نشر جادة ومؤسسات داعمة وجوائز تمنحها الفسحة المستحقة.

قبل أشهر، وخلال معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، التقيت بمديرة إحدى دُور النشر، وسألتها عن اهتمامهم بطبع مجموعة قصصية قصيرة، أو تبنّيهم مشروعاً أوسع لهذا الجنس الكتابي. وسريعاً ما ظهرت ملامح الجواب على وجهها: تطيُّر مُرفَقٌ بإشارة سريعة إلى أكوام الروايات التي تملأ واجهة العرض، وبجملة واحدة حسمت: "روايات فقط. هذا ما يُقرأ اليوم!". بالتأكيد، ليس الانطلاق من الحوادث الخاصة وتعميمها أفضل ما يمكن أن يُقال في هذا السياق، لكنّ مثل هذه الحوادث تُعطي إشارات عمّا ينتاب المشهد العام من مشكلات، والحديث هنا عن مشهد القصة القصيرة في العالم العربي.

مع التذكير أيضاً باستفادة الرواية من التطور في تقنيات السرد وعناصره الفنية في القصة، نعود للتساؤل: ما الذي ينقص القصة القصيرة في منطقتنا العربية حتى تُطبَع وتوزّع ويكون لها حضور الرواية؟ ألم يكن هذا الشكل السردي في طليعة التجديد الأدبي العربي منذ النصف الثاني من القرن الماضي، مع أسماء مثل زكريا تامر ويوسف إدريس وأحمد بوزفور ومحمد المخزنجي ومحمد خضيّر؟

الإجابات متعددة، لكن يبدو واضحاً أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب منظومة حاضنة تتمثّل في منصات نشر معروفة (الزمن الرقمي سهّل النشر ولكنه رفع شروط النقد والتقييم) ومؤسسات راعية، ومن ثم جوائز تنافسية تمنح هذا الفنّ فسحةً للحياة. في المقابل ما تزال الرواية العربية تحظى بزخم إعلامي، وجوائز مُكرّسة وتنافسية. المقارنة التي نسوقها بين هذين الجنسين الكتابيّين لا تستبطن أي نزعة تصارع، فالفنّ لا يعمل وفقاً لهذا المنطق، وإن تحكّمت به، وبحيوات مُنتِجيه، عوامل مادّية لا يمكن التعالي "المثالي" عليها.

تحافظ دور النشر المصرية على حصة معقولة في إصدارات القصة

بعيداً عن التساؤلات، وعلى أرض الواقع، تشهد الجوائز الأدبية العربية انتعاشاً معقولاً، مع ذلك يكاد المخصّص منها للقصة القصيرة يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، وتظلّ جائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت الاستثناء الوحيد. في حين يبدو أن دور النشر المصرية لا تزال تحافظ أكثر من نظيراتها العربية على حصة معقولة في إصدارات القصة القصيرة.

أمام هذا الفراغ، تظهر بين الحين والآخر مبادرات محلّية تحاول ملء الفراغ. في مصر أَعلن مؤخراً نادي القصة في أسيوط عن إطلاق دورته الجديدة لجائزة القصة القصيرة، وكذلك أُعلن في ليبيا عن افتتاح التقديم للدورة الثانية من جائزة كامل المقهور للقصة القصيرة. جائزتان محصورتان في نطاق محلّي محدود، إلا أن تقاطعهما الزمني وتشابههما في الهدف يقولان الكثير عن المساحات التي يتحرّك خلالها هذا الفنّ.

لا يتوقّف مستقبل القصة القصيرة في العالم العربي على رغبات جمهور قرّائها أو كتّابها فحسب، بل على وعي جماعي بضرورة إعادة بناء بيئتها الحاضنة في ظل السياق الرقمي الراهن. من دون منصات نشر جادّة، ومؤسسات راعية، وجوائز تَمنح هذا الفن فسحته المستحقّة، ستظل القصة القصيرة تتحرّك في هوامش المشهد الأدبي، وسيظل هذا الجنس السردي محكوماً عليه بالتراجع.

فنون
التحديثات الحية
المساهمون