استمع إلى الملخص
- يعاني المترجمون من تدني الأجور وتأخيرات في الدفع، بينما يركز الناشرون على الأعمال ذات المبيعات العالية، مما يحد من تنوع وجودة الأعمال المترجمة ويؤثر سلباً على الأدب المحلي.
- تلعب الرواية المترجمة دوراً مهماً في تعزيز الفهم الثقافي، لكن الترجمات الضعيفة قد تشوه الصورة الثقافية وتضعف الروابط الإقليمية، مما يستدعي تحسين جودة الترجمة.
لا تنبع ترجمة الأدب العربي إلى الفارسية، أو الأدب الفارسي إلى العربية، من جذور التاريخ والثقافة المشتركة بين إيران والعالم العربي وحدها، بل يمكنها أن ترسم مستقبلاً أكثر إشراقاً للتفاعلات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا من شأنه أن يُسهم في إحياء العلاقة التاريخية بين اللغتين الفارسية والعربية من خلال عملية الترجمة عموماً، وترجمة الرواية بشكل خاص.
ويمكن اعتبار ترجمة الرواية عملية يشارك فيها الكاتب، والمترجم، والناشر، والمتلقي أو القارئ. وفي سوق النشر الإيرانية التي تواجه العديد من التحديات الاقتصادية، تُعرض هذه العملية على نحو يكون فيه الكاتب خارج نطاق الاقتصاد المباشر للسوق الإيرانية، إذ إن الروايات المترجمة غالباً ما تكون من مؤلفين أجانب. وقد تشكّل تكلفة شراء حقوق النشر تحدّياً كبيراً للناشر الإيراني، خاصةً في ظلّ العقوبات، وتقلبات سعر الصرف، وعدم عضوية إيران في الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق النشر. نتيجةً لهذه الصعوبات الاقتصادية، يفضل العديد من الناشرين ترجمة ونشر الأعمال من دون دفع حقوق التأليف، ما يشوه العملية من الناحية الأخلاقية والقانونية.
تُضفي الترجمة تنوّعاً موضوعياً وأسلوبياً على الثقافتين
أما المترجمون فيعانون من قلّة الأجور وتأخيرات في الدفع. وفي سوق النشر المتأزمة بسبب نقص السيولة ومبيعات الكتب الضعيفة، يجد الناشر صعوبة في دفع أجر مناسب للمترجمين، كما يواجه ارتفاع تكاليف الطباعة (كالورق والحبر وخدمات الطباعة التي ارتفعت أسعارها بسبب الاعتماد على الواردات وتقلبات الدولار)، وانخفاض التيار الطباعي نتيجة تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، وغياب نظام توزيع فعال. في هذه الظروف، يضطر الناشر لتحمل مخاطر مالية أقل ويميل إلى اختيار الروايات التي يُحتمل أن تحقّق مبيعات أعلى (مثل الأعمال العالمية الأكثر مبيعاً أو الأنواع الشعبية)، حتى وإن كانت تفتقر إلى القيمة الأدبية الرفيعة، وهذا يحد من تنوع وجودة الأعمال المُترجمة.
وتفيد الرواية المترجمة عموماً، سواء إلى العربية أو الفارسية، في ترسيخ فهم أعمق للثقافتين وإثراء الأدبين العربي والفارسي المعاصرين، إذ بمقدور الرواية إضفاء تنوّع موضوعي وأسلوبي، إضافة إلى دورها في تعريف الكتّاب الإيرانيين بالتيارات الأدبية المعاصرة في العالم العربي، ما سيكون مصدر إلهام لإبداعات جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة للثقافة الإيرانية. كما أنها تسهم في تعزيز الدبلوماسية الثقافية مقدمّة صورة إيجابية عن الثقافة المكتوبة فيها وضرورة التفاعل والتواصل مع جيرانها.
وبالنظر إلى عدد الناطقين باللغة العربية والفارسية، يمكن للرواية المترجمة أن تجذب جمهوراً جديداً وتدرّ أرباحاً اقتصادية للناشرين الإيرانيين والعرب، إضافة إلى دورها في إحياء الهوية التاريخية المشتركة، ذلك أنه لا يمكن إنكار الأثر المشترك بين الثقافتين عبر التاريخ، خصوصاً في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وهذا من شأنه أن يعزز شعور التضامن الثقافي.
وبالطريقة نفسها التي يمكن للترجمة أن تقارب حضارياً وإبداعياً بين الثقافتين، يمكن أن تتحول إلى أداة للتباعد بينهما على الصعيدين الأخلاقي والثقافي، مساهمة بذلك في إضعاف مكانة الأدبين معاً، مؤثرّة سلباً على العلاقات بين الثقافتين.
وكم عرفنا عن ترجمات كان لها دورٌ في تشويه الصورة الثقافية لأنها لم تنقل المعاني العميقة والدقائق الأدبية والسياقات الثقافية بشكل صحيح، وبذلك، يواجه قارئ الثقافة صورة ناقصة أو سطحية أو حتى مشوهة عن الثقافة الأخرى بدلاً من الصورة الحقيقية، ما قد يؤدي إلى سوء فهم وتحيزات.
كذلك يمكن أن تؤدي الترجمة إلى تراجع المصداقية الأدبية، خصوصاً عندما تنشر ترجمات عربية أو فارسية مليئة بالأخطاء أو غير واضحة أو غير احترافية، واضعة بذلك القيمة الأدبية للعمل الأصلي موضع تساؤل. وبذلك، يرى القارئ نفسه يأخذ انطباعاً عن الثقافة الأخرى انطلاقاً من الترجمة الضعيفة وتبدأ الأحكام والصور النمطية. وهذا النهج في الترجمة يعطي الأولوية للربح أو السعي وراء كسب الشهرة على حساب احترام النص الأصلي والجمهور، ما يُلحق الضرر بالثقة بين الثقافات، ويخلق فجوة أخلاقية بدلاً من بناء جسر بين الثقافتين، ما يؤدي إلى فقدان مصداقية عملية الترجمة بحد ذاتها.
وبشكل عام، عندما يواجه القارئ الإيراني أو العربي ترجمات ضعيفة من أدب بعضهما البعض وتكون التجربة غير مرضية، تقل ثقتهم بالأدب الإقليمي. في المقابل، يبدو الأدب الغربي، الذي يُقدم عادةً بترجمات احترافية ومعايير أعلى، أكثر جاذبية. هذا التوجه لا يضعف الروابط الإقليمية فحسب، بل يزيد من التبعية الثقافية للغرب.
* كاتب ومترجم وأستاذ جامعي من الأهواز