العودة الفرجوية للثقافة في تونس

العودة الفرجوية للثقافة في تونس

13 مارس 2021
من "مدينة الثقافة" بعد عودة الحياة الثقافية (من صفحة المدينة على فيسبوك)
+ الخط -

منذ ظهور الموجة الثانية من فيروس كورونا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في تونس، وعودة إجراءات الوقاية من انتشار العدوى بغلق الفضاءات الثقافية، ظهرت موجة تذمّر واسعة في الأوساط النخبوية التونسية في ما اعتُبر تقصّداً حكومياً لضرب قطاعات الثقافة المختلفة، من المسرح إلى الفنون التشكيلية، وعدم احترام دورها في المنظومة الاجتماعية.

خلال تلك الفترة، صبّت معظم الانتقادات في شخص رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على خلفية أنه يتعامل بعقل إداري جافّ مع الفنون والآداب ويتناول إشكالياتها مثل أي ملف مطروح على مكتبه. وزاد الطين بلّة أنه أقال وزير الثقافة، وليد الزيدي، بسبب دعمه لمطالب الفنانين بعدم إغلاق الفضاءات الثقافية، ثم قرّر تكليف وزير السياحة بإدارة وزارة الثقافة بالنيابة، وهو ما اعتبر إهانة كبرى للمثقفين.

التزم المشيشي الصمت طوال هذه الفترة، ولم يخرج حتى لتبرير قراراته. لكنه، وبدون مقدّمات، ظهر يوم الثلاثاء الماضي في "مدينة الثقافة" ضمن حفل موسيقي أقيم بمناسبة "اليوم العالمي للمرأة"، وتحدّث في خطاب مقتضب عن "استئناف الأنشطة الثقافية" مع ضرورة احترام البروتوكولات الصحية بعد هذه العودة.

حركة رمزية تبدو ثقافيةً لكنها من تفاصيل الحياة السياسية

كما تضمّنت كلمته مجموعة عبارات روتينية من قبيل "أهمية الثقافة والأنشطة الفنية والإبداعية وجوهريتها في حياة الإنسان" والتأكيد على أن الثقافة تمثّل "عنوان تقدّم الشعوب ورقيّها وأنها تعبير عن الفكر والهوية والطاقة الإبداعية الخلاقة ومصدر للثروة الحقيقية القائمة على الابتكار والتجديد".

إثر هذا الإعلان عن عودة الحياة الثقافية، ساد ارتياح لمثل هذه الكلمات على عموميّتها. لكنه ليس ارتياحاً متعلقاً بعودة الحياة الثقافية في حدّ ذاتها، فمن المعلوم أن الفضاءات الثقافية قد بدأت تفتح أبوابها منذ أسابيع، بل إن عدداً من المهرجانات المسرحية والموسيقية قد أقيم، بما يعني أن القرار الحكومي بـ"عودة الحياة لثقافية" قد جاء لاحقاً لعودتها الفعلية. 

يأتي الارتياح من منظور سياسي حيث أنه نابع من فكفكة حالة التوتّر القائمة منذ شهور بين جهاز الحكومة والحياة الثقافية. فمن جانب، يعرف المشيشي أن استعداء البيئة الثقافية يعني تهرئة شرعيته كرجل دولة، ومن جهة المثقفين يعني تواصل الاحتقان مع الحكومة تعطيل الكثير من المشاريع والتمويلات.

يبقى أن نتساءل عن الفرق بين الإعلان عن عودة الحياة الثقافية من عدمه؟ هل سنجد خلال الأسبوع المقبل عشرات الأفلام والمسرحيات الجديدة في قاعات العرض؟ هل ستفتح الغاليرهات على معارض لم يزرها الجمهور من قبل؟ هل سنقرأ إصدارات جديدة؟ نعرف أن لا شيء من ذلك سيحصل. ليس الأمر سوى حركة رمزية تبدو فروعها في الفضاء الثقافي لكن عروقها ضاربة في تربة الحياة السياسية.

المساهمون