استمع إلى الملخص
- ضمن مشروع "المشهد الإيطالي الجديد في العالم"، قُدمت مسرحيات لمخرجات لبنانيات اقتبسن نصوصاً لكاتبات إيطاليات، مثل "السجادة الحمراء"، "البوابة"، و"الزمن مفكك"، التي تتناول مواضيع معاصرة.
- "السجادة الحمراء" تتناول الانحلال الأخلاقي، "البوابة" تبرز العزلة الحديثة، و"الزمن مفكك" تركز على الصراع الداخلي والهوية، بأداء مميز لرفعت طربيه.
تجمع مسرحية "فيلوميلا" للمخرجة اللبنانية حنان الحاج علي، بين الأداء الحي والإسقاط البصري على شاشة عملاقة، ما منح المشاهدين فرصة متابعة التفاصيل الدقيقة للانفعالات والوجوه، بينما ظلوا متصلين بالخشبة مباشرة.
المسرحية قُدّم عرضها الأول على خشبة مسرح غلبنكيان في بيروت، ضمن مشروع "المشهد الإيطالي الجديد في العالم" مساء الثلاثاء الماضي، إلى جانب ثلاثة عروض نفّذتها مخرجات لبنانيات اقتبسن نصوصاً لكاتبات من إيطاليا تركّز ثيماتها على الذاكرة وهشاشة العلاقات والديناميكيات العائلية وأزمة التواصل، إذ عُرضت: "الزمن منزاح" لعليا الخالدي، و"السجادة الحمراء" لميشيل زلّوعة، و"بوابة العبور" لدانا مخايل.
استندت الحاج علي إلى نص فولفيا تشيبولاري، في عرض من أداء ريتّا حايك (أنطونيا بوتسي) ورودني الحداد (أوفيد)، ومشاركة منى حلّاب المغنية اللبنانية السوبرانو. وأتت الإضاءة مركّزة ودرامية، وتستخدم التباين بين الظلّ والضوء لإبراز الانفعالات الداخلية للشخصيتين، بينما الملابس بسيطة وأنيقة، تعكس نمطاً كلاسيكياً أو شبه زمني غير محدد، ما يسمح بقراءة رمزية أكثر من واقعية.
اقتبست المسرحيات المقدّمة من نصوص لكاتبات من إيطاليا
المسرحية مستوحاة من شخصيتين شعريتين وتاريخيتين: أوفيد وأنطونيا بوتسي، وتتناول موضوع العنف العاطفي وحدود الحب والسيطرة والمأساة، في حوار شعري داخلي بين شخصيات تمثّل الذاكرة والعاطفة والذنب. ركّز الإخراج على الانفعالات الدقيقة والوجوه أكثر من الحركة الجسدية، والإضاءة الدافئة عززت التوتر النفسي والحميمية، ما جعل المشهد تجربة مزدوجة بين الواقعي والرمزي على الشاشة والخشبة. حضور الشاشة يوحي بموضوعات العمل: الذاكرة، الصمت، والعلاقة المعقدة بين الضحية والناجي، في استعارة بصرية عن استعادة الصوت المسلوب.
وفي نهاية العرض، قالت حنان الحاج في تسجل صوتي إن الشعر الذي ورد في ختام المسرحية هو للشاعرة أمال جنبلاط زوجة سعيد عقل، التي انتحرت بالرصاص، مع إبراز أن نهايتها مأساوية متشابهة لنهاية كاتبة العمل نفسها، فولفيا تشيبولاري.
أما مسرحية "السجادة الحمراء" للكاتبة جوليا تريفيرو، وبطولة جنى أبي غصن، وباميلا الحشيم، وعلي حرقوص، فأعادت تخييل مأساة أسرة الأتريديس الإغريقية في إطار معاصر، حيث تنتقل المأساة من قصر ميسينا الأسطوري إلى منزل برجوازي خانق، لتصبح الشخصيات ورثة لإمبراطورية صناعية متداعية، محاصرين بثقل الإرث والسلطة. الدم، الذنب، والانتقام تتحوّل إلى استعارات للانحلال الأخلاقي والتفكك العائلي. العرض كُتب بلغة مكثفة وشعرية، تمزج بين الدراما النفسية وروح التراجيديا الكلاسيكية. في المشهد الختامي، رُميت السجادة الحمراء إلى جانب طلقة نارية، كإشارة إلى انهيار السلطة واستمرار لعنة الإرث، مقدماً رؤية فنية عن الانحلال الأخلاقي والخراب الأسري، ونقداً حادّاً لثقافة الشهرة وتحويل المأساة إلى مادة استهلاكية.
نصوص تقارب مواضيع الذاكرة وهشاشة العلاقات وأزمة التواصل
ثم جاءت مسرحية "البوابة" للكاتبة إيليانا روتيلا، ببطولة دانيال داڤي، ووسام دلاتي، التي تدور حول صوتين يحاولان التواصل عبر خطوط متقطعة وإشعارات وضجيج بعيد، في استعارة لعلاقاتنا المعاصرة في عصر التكنولوجيا. الحوار ينكسر وتُعاد صياغته ثم يختفي، كما لو كان محادثة رقمية غير مكتملة، ما يعكس هشاشة التواصل والمسافة بين الحضور والغياب. المسرحية ترسم لوحة عن العزلة الحديثة، حيث الحب نفسه يتحول إلى إشارة ضعيفة تبحث عن معنى في عالم متشظٍّ. البنية قائمة على إيقاع متقطع يشبه الرسائل والمكالمات المقطوعة، ويستخدم العرض الأصوات المسجّلة، الإشعارات، والمكالمات الافتراضية كعناصر درامية .
واختتمت الليلة بمسرحية "الزمن مفكك" للكاتب جاكوبو جاكوموني، وبطولة رفعت طربيه وطوني فرح. تدور المسرحية حول الأب والابن، وحوار يشبه لعبة البينغ بونغ حول ما يتذكره كل منهما عن اللحظة الأولى، حيث تختلط المشاعر بين الاثنين؛ الأب بسبب الخرف وتقدم العمر، والابن بسبب حاضر قد يتركه تائهاً. وزّعت المسرحية الحوار بين طبقات زمنية وصوتية متعددة، لتخلق إحساساً بالتنقل بين الذكريات والوعي. أبدع رفعت طربيه، المعروف بخبرته الواسعة في المسرح والتلفزيون، بدور الأب، مقدماً أداءً مكثفاً وعميقاً جمع بين الصراع الداخلي والقدرة على التعبير عن الهوية والذاكرة، ما جعله محور اهتمام الجمهور بتعابير وجهه ونبرة صوته.