"العقلنة عند ماكس فيبر": نظام وجودي معرفي

"العقلنة عند ماكس فيبر": نظام وجودي معرفي

30 يناير 2021
(ماكس فيبر)
+ الخط -

صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "العقلنة عند ماكس فيبر" لأستاذ علم الاجتماع والباحث المغربي عبد المنعم الشقيري، الذي يرى أن العقلنة ليست وصفة إجرائية يمكن اقتناؤها من الغرب وتطبيقها، بل هي نظام وجودي معرفي ضارب في جذور الإصلاح الديني البروتستانتي وما واكبه من رؤية جديدة للعالم عبر عقلنة الواجب المتمثل في الشغل؛ كاستجابة لنداء داخلي. وبموازاة ذلك، نَحَتْ تلك الرؤية إلى تحققات عملية - ساعدتها في ذلك عوامل بنيوية أخرى - داخل مسارات الحياة، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم قانونية.

في القسم الأول "المدخل النظري والمنهجي لمفهوم العقلنة عند فيبر" نجد ثلاثة فصول. يرى المؤلف في الفصل الأول، "المرتكزات الفكرية لمفهوم العقلنة عند فيبر"، أن فهم الإنتاج الفيبري عامة، ومسألة العقلنة خاصة، يقتضي "أن نقف وقفة تحليلية دقيقة لطبيعة الشروط الإبيستيمية التي عملت على إنضاج تصوراته وبلورتها في ما يتعلق بمفهوم العقلنة. 

ويتناول الفصل الثاني "من عقلنة المنهج إلى منهج العقلنة" التفهم السببي عند فيبر، والارتباط القيمي، والدلالة الثقافية، والنمط المثالي أيضًا. في الفصل الثالث "العقلنة ونظرية الفعل"، يقدّم المؤلف نظرية الفعل الفيبرية، والمنهج الفرداني والاقتصادي وأثرهما في نظرية الفعل الفيبرية، ونظرية الفعل الفيبرية كتصور عقلاني ضيق، ونظرية الفعل الفيبرية كنظرية أحادية. 

العقلنة ليست وصفة إجرائية يمكن اقتناؤها من الغرب وتطبيقها

يشتمل القسم الثاني، "العقلنة ووحدة المعنى"، على فصلين. ففي الفصل الرابع، "العقلنة كرؤية للعالم (نموذج التخلي عن الآليات السحرية للخلاص)"، يبحث المؤلف في محاور عدة، هي: عقلنة رؤية العالم بين السحر والدين، والديانة النبوية وعقلنة رؤية العالم، وديانة النبوة والمشكل اللاهوتي، وعلاقة رؤية العالم بالمصالح المادية والمعنوية، والبروتستانتية والرؤية الدينية العقلانية، والخلاص والعقلنة الدينية، والعقلنة الدينية وتقوية الذات الفردية. 

أمّا في الفصل الخامس، "العقلنة نمطًا وسلوكًا في الحياة - نموذج ’الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية‘"، فيعالج المؤلف الأصول الأخلاقية للعقلنة، والرؤية الأخلاقية للعالم، والعمل بين الكالفِنية واللوثرية، والعقلنة والسلوك الفردي داخل الحياة، والعقلنة بين الفرد والمجتمع، وروح الرأسمالية أو العقلنة، ومآل روح الرأسمالية، وتقويم الأصول الأخلاقية للعقلنة. 

الصورة
غلاف الكتاب

يضمّ القسم الثالث "تحققات العقلنة"، ثلاثة فصول. يبحث المؤلف في الفصل السادس، "التحقق الاقتصادي للعقلنة"، في البُعد الغائي للعقلنة الاقتصادية، وتحديد الفعل أو النشاط الاقتصادي، وخصائص العقلنة الاقتصادية، ومعايير النشاط الاقتصادي العقلاني. 

من جهة أخرى، يتحدث المؤلف في الفصل السابع، "التحقق السياسي للعقلنة"، عن خصائص السلوك والممارسة السياسية، وأنماط المشروعية داخل الهيمنة السياسية، والعقلنة السياسية من خلال نموذج الدولة الحديثة، وعقلنة الدولة الحديثة من خلال نموذج البيروقراطية، إضافةً إلى رؤية فيبر السياسية النخبوية. 

إثر ذلك، يبحث المؤلف في الفصل الثامن، "التحقق القانوني للعقلنة"، في السلوك أو الممارسة القانونية، والعناصر الخارجية المساهمة في عقلنة القانون، والعناصر الداخلية المساهمة في عقلنة القانون، والانتقال من اللاعقلانية الصورية إلى العقلانية الصورية، إلى جانب مفاهيم القانون العقلاني الحديث، ومفارقات التحقق القانوني للعقلنة، وأثر عقلنة القانون في ظهور البيروقراطية.

يَرد القسم الرابع، "العقلنة وفقدان المعنى"، مشتملًا على فصلين. وفي الفصل التاسع، "العقلنة كرؤية للعالم - نموذج ’استقلالية دوائر القيم وصراعها‘"، يدرس المؤلف استقلالية دوائر القيم وصراعها، واستقلالية دائرة أخلاق الأخوة وصراعها، والدائرتين العقلانيتين الاقتصادية والسياسية، والدائرتين اللاعقلانيتين الجمالية – الإستطيقا والجنسية – الإيروتيك، واستقلالية الدائرة المعرفية وصراعها، وتوجهات القيم وصراعها، والعقلنة كرؤية للعالم من منطلق فقدان المعنى، والعقلنة كممارسة (فقدان الحرية)، وعلاقة العقلنة بالعلمنة، والأزمة الثقافية بين المنحى الفوضوي والتأويل العقلاني. 

أمّا في الفصل العاشر، "العقلنة: حدودها وآفاقها"، فيتناول المؤلف المستويَين الذاتي والموضوعي لحدود العقلنة، والتهام العقلنة للعقل؛ من حيث إنّ العقلنة سيرورةٌ اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن حيث إنّ العقلنة فكٌّ لسحر العالم أو النزعة العلمية، لينهي الفصل بموقف الإبستيمولوجيا المعاصرة من صَورنة العلاقات الاجتماعية، متسائلًا: ماذا يُقصد بالعقلنة التي طبعت العالم الغربي الحديث؟ إنها لن تكون سوى روح جديدة، ظاهرها الوسائل التقنية التي تضم الحساب الدقيق والمبادئ المجردة المستعملة في متابعة الأهداف وتحقيق الغايات، وباطنها رؤية للعالم تقوم على تنحية جميع القوى الخفية الغامضة، معوضةً إياها بالدراسة والبحث العلمي، واستلهام قواعد العقل؛ إذ كان من بين نتائج تطبيق العقل، سواء في ميدان الطبيعة أو في الحياة الاجتماعية، نتائج إيجابية لا يمكن إنكارها.
 

المساهمون