"الشكل الفيلمي" لآيزنشتاين: أخيراً بترجمة عربية

"الشكل الفيلمي" لآيزنشتاين: أخيراً بترجمة عربية

18 ديسمبر 2020
(سيرجي آيزنشتاين)
+ الخط -

يُعتبر المخرج الروسي الماركسي سيرجي آيزنشتاين (1898-1948)، من أوائل صانعي الأفلام الروائية المهمّين في تاريخ السينما، ليس الروسية وحسب بل والعالمية أيضاً، ولشدة خصوصيته يُنسب إليه، عن خطأ، ابتكار مونتاج الفيلم. وإلى اليوم ما زالت تدرس أفلامه  في كل برنامج أفلام ليس فقط لأنها كانت أمثلة مبكرة على المونتاج من أجل التأثير العاطفي على المتفرج والتحكم في السرد، ولكن أيضًا لأن عمله لا يزال مؤثراً ويشتغل على إثارة مناطق بعيدة في الذاكرة والعاطفة في آن؛ فبعض أفلامه من قبيل "قديم وجديد"، و"أكتوبر: عشرة أيام صدمت العالم"، تعتبر من أعماله الأيقونية التي لا تنسى. 

آيزنشتاين أخرج أفلامه في الاتحاد السوفيتي، ومع أنه رحّب بمساندة الدولة لأفلامه وبتوصيات مجلس السينما السوفيتي، إلا أنه عند تصوير الفيلم كان يَخرج على التصور المبدئي ليوظف ما تمليه عليه جماليات المكان وآليات الإبداع السينمائي، مثال عن ذلك حين انطلق ليصور فيلماً عن ثورة 1905 وانتهى بفيلم مغاير وهو "بوتيمكين"، حيث بهرته إمكانيات الشكل في درج "أوديسا" فجعله محور الفيلم، وقد دافع عن اهتمامه بالشكل ﻭﺭﺩّ على هجمات النقاد شارحاً أنه ﺻﻮّﺭ الجمهور على الدرج باعتباره البطل السينمائي.

أعاد عدد من المخرجين المعاصرين تصوير بعض أعماله، كنوع من التحية والتكريم، وكشفت هذه الإعادات عن أن أعماله ما زالت تترك الأثر نفسه من حيث التوتر والتشويق والرهبة عند مشاهدتها، حيث عُرضت على جمهور لم يشاهد أبدًا أيًا من أفلام آيزنشتاين من قبل، كنوع من التجربة لقياس أثر السينمائي على المتلقين في عصر مختلف.

الصورة
سيرجي آيزنشتاين- القسم الثقافي

وبالطبع يعرف المتخصصون وعشاق السينما أن آيزنشتاين لم يكن مهمًا فقط كصانع أفلام، ولكن ككاتب ومنظّر مارس الإخراج أثناء صياغة نظرياته التي كان يجربها بنفسه،  لذلك يعد مبتكرًا في هذا السياق، إلى جانب تأليفه عدداً من البيانات السينمائية التي أثّرت على أجيال من صانعي الأفلام بقدر ما أثّرت الصور التي التقطها في أفلامها.

كتب أيزتشتاين الكثير من المقالات، التي صنفت وجمعت في عدة كتب؛ من بينها كتاب صدر عن "رواتليدج" عام 1994، جمعت فيه بعض أعماله تحت عنوان "مصنع الأفلام: السينما الروسية والسوفياتية في الوثائق ، 1896-1939"، وله كتاب "الشكل الفيلمي" (1949) و"حاسة الفيلم" (1942)، و"ملاحظات لمخرج فيلم (1959)، و"نحو نظرية المونتاج" وهذا صدر عن معهد الفيلم البريطاني عام 1994. 

الكتاب صدر هذه الأيام في بغداد ليتزامن مع معرض الكتاب فيها

لم تُترجم كتابات أيزنشتاين إلى العربية من قبل، وكتجربة أولى يقدم المخرج المصري عماد إرنست للقارئ العربي ترجمة لكتاب "الشكل الفيلمي: مقالات في نظرية الفيلم"، صدرت مؤخراً عن منشورات "المتوسط"، وقد نقله إرنست عن النسخة الإنكليزية التي ترجمها جاي ليدا (1910-1988)، أحد صناع الفيلم الطليعيين في أميركا، وصدرت عن دار "هارتكورت".

يذكر ليدا في مقدمته أن تجميع مقالات الكتاب كان أحد المهام الأخيرة لمؤلفه، فعلى الرغم من أن آيزنشتاين في آخر عامين من حياته كان غير قادر بسبب ضعفه على استئناف العمل السينمائي، إلا أنه كان قوياً بما يكفي ليواصل نشاطه النظري. فقد عانى من نوبة قلبية عام 1946، وقضى معظم العام التالي يتعافى، لكنه توفي بنوبة قلبية ثانية عام 1948 وهو لم يتجاوز الخمسين، وقد ترك على مكتبه مقالاً غير مكتمل عن اللون وكيف استخدمه في فيلمه غير المكتمل "إيفان الرهيب".

كتب ليدا في مقدمته عما لم يفعله آيزنشتاين، واعتبر أن التفكير في عمله المكتمل لا يخفف كثيرًا، لأن كل هذه الأفلام المكتملة هي إشارات إلى مزيد من العمل الذي من شأنه أن يتجاوز الحدود التي وضعها الفنانون الأقل أهمية. رأى ليدا أن كل خطوة إلى الأمام من قبل آيزنشتاين وعدت بمائة من الخطوات غير المتوقعة، والموت في سن التاسعة والأربعين ترك العديد من الخطوات دون أن تتخذ. لكن معرفة آيزنشتاين الهائلة تم سكبها ليس فقط في ستة أفلام منجزة ولكن أيضًا، بشكل مباشر وغير مباشر، في عدد لا يحصى من التلاميذ.

يضم الكتاب 12 مقالاً، يعتبرها صنّاع السينما في العالم مقالات مرجعية بل تأسيسية، ويعتبر كثيرون أن ما قاله إيزنشتاين عام 1929 ما زال صحيحاً وفاعلاً، ليس فقط لصانعي الأفلام ولكن الأهم من ذلك لمطوري الوسائط الجدد الذين يرغبون في إنشاء تسلسل صور مشابه للمونتاج في أعمالهم الخاصة. 

يعتبر كثيرون أن ما قاله إيزنشتاين عام 1929 ما زال صحيحاً وفاعلاً

عناوين المقالات كما ترجمها إرنست هي تباعاً: عبر المسرح إلى السينما، المباغت، المبدأ الفني السينمائي والإديوجرام، مقاربة جدلية للشكل الفيلمي، البعد الرابع الفيلمي، طرق المونتاج، دروس في المعالجة، اللغة الفيلمية، الشكل الفيلمي: مشاكل جديدة، البناء الفيلمي، إنجاز، ديكنز وجريفيث والفيلم المعاصر.

إلى جانب المقالات يضمّن الكاتب ملحقين في الأول: بيان في الفيلم الناطق لـ آيزنشتاين وبودوفكين وألكسندروف"، والثاني "تدوينات من معمل مخرج"، ونجد في النسخة العربية ملحقاً أضافه المترجم فيه شروحات الأعلام والتواريخ وهوامش خاصة بالمقالات وشرح لمصطلحات سينمائية وقائمة بأعمال السينمائي المؤلف.

الكتاب صدر هذه الأيام في بغداد، ليتزامن مع معرض الكتاب فيها، بحسب ما يقول المترجم في منشور له على فيسبوك؛ والذي يشرح: "منذ لحظة دخولي معهد السينما لدراسة الإخراج وتوجّهي لمكتبته، لم أجده (الكتاب)، وإلى الآن، بين أرففها. ذلك المرجع الأساس والوحيد الذي يتناول بدايات بزوغ الحديث الجاد عن الشكل الفيلمي "تنظيريَّاً عبر الممارسة"، يُعد مرجعاً فنِّيَّاً غاية في الأهمّيّة لدراسته، سواء بشكل فردي مستقل أو نظامي في معاهده المتخصّصة. فهو من أعمدة مناهج السينما، والإعلام أيضاً، في العالم. وتأثيره وتناصه ونسغه مع تطورات تيارات الأشكال الفيلمية اللاحقة حاضر على الدوام".

ويضيف: "إن دين فنون القرن العشرين وقرننا الحالي عامة للسيد آيزنشتاين لهو دين كبير. متمنياً وفاء ترجمتي هذه لجزء صغير من ديني له وفي شكل خاص، بوصولها أخيرا بين أيديكم، ليصبح الكتاب مرجعاً تعود أصابعكم وتلتقطه من مكتبتكم لتأنس بأفكاره العديدة والمتنوعة وقت الحاجة، كما يحدث معي، ومع كثيرين، وإلى الآن. فمفردة "الشكل" وأغوارها تجمعنا كلنا".

المساهمون