الزعبي والشياب.. بين ساطع الحصري والمدرسة الألمانية

الزعبي والشياب.. بين ساطع الحصري والمدرسة الألمانية

08 ديسمبر 2021
(ساطع الحصري)
+ الخط -

في الندوة التي نظّمها "المنتدى العربي" في عمّان عند السادسة مساء أمس الثلاثاء بعنوان "الأمّة في فكر كلّ من ساطع الحصري والمدرسة الألمانية"، تحدّث كلّ من أستاذ التاريخ أمجد الزعبي وأستاذ الفلسفة محمد الشياب في تنظيرات المفكر السوري (1880 – 1968) وتأثّرها بالفلسفة المثالية الألمانية.

رأى الزعبي أن الجغرافيا الطبيعية كانت من أبرز العوامل المؤثرة في التاريخ الألماني، حيث الموقع الجغرافي لألمانيا جعل لها حدوداً برية طويلة مع كلّ من بولندا وبلجيكا وفرنسا وسويسرا والتشيك وبولندا والدنمارك، بالإضافة إلى حدودها البحرية في سواحلها على بحرَي الشمال والبلطيق مع دول أخرى، حيث عادى جيرانها أي مشروع ألماني.

وأشار إلى أن المكوّنات العرقية للشعب الألماني جاءت متناغمة مع الطبيعة الجغرافية التي تعود بأصولها إلى الفرنج الذين انشقوا إلى الفرنج الغربيين والفرنج الشرقيين، فالشعب الألماني يتألف من أربعة مكونات رئيسة، هي: السكان الأوائل من أصل إندو – أوروبي، وهم الذين سكنوا المناطق الجبلية والغابات في وسط ألمانيا، والجرمان، والكلتون، والسلاف الذين انتشروا في شرق البلاد، وخاصة في الأرياف، بالإضافة إلى مكونات أخرى، مثل الرومان والإسكندنافيين والتاويين.

الصورة
(جانب من الندوة)
(جانب من الندوة)

وأوضح الزعبي أن الأصول الألمانية نشأت على نحو طبيعي. ففي المقام الأول، برزت العناصر التي خلقتها الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، والتي أعطت الألمان موقعاً مميزاً، ولكن ذلك لا يعني أن الإمبراطورية كانت دولة ألمانية، لافتاً إلى أن الألمان كانوا واقعين في الوسط بين جارين قويين، هما الإمبراطورية الجرمانية بحضارتها الفرنسية، والسلاف الذين كانوا يضغطون على الألمان.

وأضاف أن كلمة الرايخ تعني في الألمانية مملكة أو عالماً، إلا أن الألمان اتفقوا على استخدام المصطلح وحرصوا على إطلاقه على الدول الألمانية المتعاقبة، فسُمِّيت الإمبراطورية الجرمانية المقدسة باسم الرايخ الأول، والإمبراطورية الألمانية في عهد بسمارك بالرايخ الثاني، والرايخ الثالث في عهد هتلر.

ولفت الزعبي إلى أن المتطرفين الألمان كانوا يطالبون بأن تمتدّ حدود الرايخ من سويسرا شمالاً وحتى شلسفج، ومن الألزاس حتى بحر البلطيق، أي ضمّ جميع المناطق الناطقة بالألمانية. أما المعتدلون، فكانوا يطالبون باسم الحقوق التاريخية بالعودة إلى الأوضاع التي سبقت معاهدة فيستفاليا سنة 1648، التي أنهت حرب الثلاثين عاماً، حيث مُنح الألمان بموجب المعاهدة التي عقدت بين الإمبراطورية الجرمانية وفرنسا والسويد إقامة الشعائر الدينية.

وبيّن الزعبي أن اللغة تأتي في المقام الأول في تشكيل الأمة، وقد نشأت اللغة الألمانية في القرن الثامن، وهي لغة تتألف من اللهجات الألمانية القديمة، وارتبطت بدرجة كبيرة بكتابات دينية يفهمها الناس، وأصبحت رابطة تحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية، مستعرضاً تاريخ الدول الألمانية المتعاقبة منذ ظهور الإمارات أو الدويلات نتيجة ضعف الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، التي وصلت إلى أكثر من 300 دويلة، مروراً بالصراع ما بين القوى الأوروبية، وخاصة بين بروسيا والنمسا، الذي لعب دوراً في رسم الخريطة الألمانية، اعتباراً من النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

أما الشياب، فتحدث عن أبرز سمات ملامح المشروع القومي لدى الحصري الذي تأثر بالمدرستين الألمانية والفرنسية حول القومية، حيث اللغة تشكّل العامل الرئيس في تكوين الجماعة، وأي شعب من الشعوب لا يفقد حياته وكيانه إلا عندما يفقد لغته.

وأوضح أن التاريخ شكّل العامل الثاني عند الحصري، الذي أدرك عدم تشابه الخبرات التاريخية واستمراريتها لدى جميع العرب، لكنه اعتقد أن جزءاً منها يمكن الاستناد إليه كشكل من أشكال التماسك الأخلاقي وتكييفه مع الواقع.

لكن المفكر السوري لم يُولِ أهمية لعامل الدين أو عامل العرق، مؤمناً بأولوية صهر كل المكوّنات المذهبية والعرقية للمجتمع في منظومة واحدة، وأن السلطة هي القادرة على فرض هذه الوحدة بين مكوّنات المجتمع، بغضّ النظر عن طبيعة النظام الحاكم.

المساهمون