الانضمام إلى جوقة الفرح في صيف 2007

الانضمام إلى جوقة الفرح في صيف 2007

21 يناير 2023
عمل للتشكيلي العراقي علي آل تاجر
+ الخط -

لكلّ عراقي قصتهُ وذكرياته الخاصة حول الاحتفالات المرافقة لفوز العراق في "بطولة كأس آسيا" عام 2007، ولي قصتي أنا أيضاً.

كنّا نتابع المباريات في شقّة أقارب لنا في البصرة، تُطلُّ على منطقة العباسية، وبعدما انتهت مباراة نصف النهائي لصالح العراق ضدّ كوريا الجنوبية، سمعنا أصوات الطبول تضرب من بعيد. فركضنا نحو الشرفة، وكان حشدٌ من الناس قد تجمّع في جوقة كبيرة تندفع بالطريق نحو منطقة العَشّار، لم يكن العراق - وأقصد "العراق الجديد"، أَيّ العراق الذي تلى "عراق صدام حسين" - قد اعتاد الأفراح بعد. لذا كان تجمهر الناس والتحاق الآخرين بهم حدثاً مبهجاً لنا، نحن اليافعين، فما إن لمحناهم حتى ركضنا لنلتحق بهم.

رحنا نزاحم الناس للوصول إلى الميكرفون، دون أن نعرف ما سنقول

لم يعارض الأهل ذلك رغم خطورة الأوضاع الأمنية في تلك الفترة؛ أنسَتهُم الفرحة المخاوف المعتادة. نزلنا نركض ولا نعرف إلى أيّ شيء سننتهي، ولم يكن أحد يعرف إلى أين ستتجّه الجوقة في ذلك المساء الحارّ. لكنّ حدثاً ما وجّه الجموع نحوه، وخلق لنا هدفاً جديداً غير الفوز بكأس آسيا، هدفاً يخصّ المحتفلين وحدهم. 

فقد انعطفت سيارة "بيك آب" من نوع هيونداي، من أحد الشوارع الفرعية لتقود الجموع في الأمام، بينما يجلس في حوضها مصوّر البثّ المباشر والمراسل اللذان جلسا القرفصاء، ليوثقّا لحظات الفرح غير الاعتيادية، وقد أصبحنا نمتلك معنى لركضنا هذا، إذ ظهر الهدف أخيراً، ورحنا نزاحم الناس للوصول إلى الميكرفون، دون أن نعرف ما سنقوله في حال وصلنا إليه.

واصل الناس الانضمام إلى مضمار الركض هذا، وكلٌّ منهم يحمل كلمته، فبعضهم يوجّه نصائح للمدرِّب حول اللاعبين جازماً أنه إذا ما أخذ بها سينجح الفريق في الفوز، وآخر ينتهز الفرصة ليُهدي السلام لأقاربه المهاجرين في ألمانيا. أما أنا ومن معي (أخي عزوز وابن خالتي سويّف)، فلم نفكر في كلمة ننطق بها، حتى عندما نفد كلامُ الناس وتراجعوا قليلاً عن سيارة البث المباشرة. فجأة وجدنا أنفسنا وقد تصدّرنا الجوقة، وها هي الكاميرا تلمح وجوهنا، فما إن وصلنا إلى أمامها مباشرة حتى اكتشفنا أن ليس لدينا ما نقوله، وقد تسلّل إلينا حزن عميق كأنه نهاية الاحتفال. تراجعنا أنا وأخي عن الكاميرا، بينما تصدّر ابن خالتي الذي لم يجد سوى كلمة واحدة، راح يردّدها: "للكأس.. للكأس". 

كان الليل قد هبط، وبدأ الناس بالانفضاض وقد ابتعدت "البيك آب" بالمصوّر والمُراسل، وفي تلك اللحظة أدركنا أننا قد قطعنا أكثر من عشرة كيلومترات بعيداً عن الشقة، دون أن ننتبه أنه ليس معنا أُجرة العودة.  


* كاتب من العراق، والنص هو مقدّمة لكتاب بعنوان "هدف في مرمى بوش"، أنجزه الصحافيان الإيطاليان: ماكس تشيفيلي ودييغو مارويوتيني وتصدر ترجمته هذه الأيام عن "دار درج" بتوقيع شريف رسمي. يتحدّث الكتاب عن تمكّن المنتخب العراقي من الفوز في "بطولة كأس آسيا لكرة القدم" عام 2007، والأجواء التي صاحبت ذلك النصر، خاصة أن البلد كان قد تعرّض للغزو والاحتلال الأميركي عام 2003، بما تبعه من تخريب لقطاعات مختلفة.

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون