اصطناع وإبداع الفنّ واللغة.. جناس الفوضى

16 يناير 2025
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُقدّم معرض "الذكاء المُصطنع: آي أو لا؟" تجربة فريدة تجمع بين الفنّ والتكنولوجيا، مع أكثر من 20 عملاً فنّياً لفنانين عرب وأجانب، بهدف تعزيز الحوار والابتكار في تقاطع الفنّ والاتصال والتكنولوجيا.
- يتناول المعرض تأثير الذكاء الاصطناعي على الخصوصية والهوية من خلال أربعة موضوعات: الماضي، عن قرب، الاستشراف، والنظرة العامة، ويضم أعمالاً تفاعلية تستكشف العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإدراك البشري.
- يطرح المعرض تساؤلات حول مستقبل الصحافة واللغة العربية في ظلّ تطوّر الذكاء الاصطناعي، مع قاموس شامل للمصطلحات، مستكشفاً فرص وحدود الذكاء الاصطناعي في الصحافة.

تحمل ذراع الروبوت قلم حبر جافّ، وتنطلق في رسم خطوط صاعدة نازلة، كأنّها آلة تخطيط القلب، وثمّة عين تنقل للذراع بالدقّة صورة السيّدة الجالسة الآن على كرسي وهي تضع ساقاً على ساق وتقرأ كتاباً. بعد عشرين دقيقة انتهى الفنّان الروبوت من رسم بورتريه تلك السيّدة، بينما الرسّام الفرنسي باتريك تريسيه، الذي ابتكر هذا الروبوت، يقف بهدوء ويراقب، كأنّه يختبر لأوّل مرّة انتقاله من رسّام تقليدي إلى فنّان يدمج التكنولوجيا في عمليته الإبداعية. ولا يطرح تريست أجوبة عن سؤال الفنّ البشري والاصطناعي، بل مقاربات، أو مزيداً من الأسئلة.

هذا الحقل السؤالي هو ما ينتج المعرفة بحسب ما يتبنّاه "متحف مجلس الإعلام" في "جامعة نورثويسترن" في قطر من خلال معرض "الذكاء المُصطنع: آي أو لا؟"، وهو ثامن معارض المتحف، وقد افتتح أمس الأربعاء ويستمرّ حتى 15 أيار/ مايو المقبل.

تبدو بعض الأجنحة مسارح تقنية تُذكّر بمسارح الشارع، حيث يبني كلُّ مشارك سينوغرافيا منظّمة، ولكن تتفاعل عفوياً مع الجمهور الذي يؤدّي دوراً.

يقوم المعرض على التفاعل بوصفه تجربةَ مشاهَدة من الداخل

نتذكّر على التوالي جميع المعارض منذ افتتاح المتحف في ربيع عام 2019، والتي تقوم على التفاعل بوصفه تجربةَ مشاهَدة من الداخل، لا على طريقة المتاحف التي تعرض المقتنيات من خلف الزجاج أو الحواجز. يعزّز المتحف الاستكشاف الفكري، كما يُعلن دائماً، ويدعم الحوار المفتوح، ويُحفّز الابتكار في تقاطع الفنّ، والاتصال، والتكنولوجيا.

لدى هذا المعرض مجموعة تضمّ أكثر من 20 عملاً فنّياً لفنّانين عرب وأجانب، يستخدمون وسائط متعدّدة تشمل الفنون البصرية، والتركيبات الرقمية، والوسائط المختلطة. كما يضم المعرض تجارب رقمية، وأعمالاً جديدة منجزة خصّيصاً له، بالإضافة إلى قطع استعيرت من "متحف تاريخ الحاسوب" في كاليفورنيا، و"مؤسّسة بارجيل للفنون" في الشارقة، و"متاحف قطر".

المعرض السابق في سبتمبر/ أيلول الماضي كان بعنوان "حدود لغتي حدود عالمي"، وهو يقرأ التحوّلات والتحدّيات التي تواجهها اللغة العربية، وفي مقدّمة ذلك المحتوى العربي على الإنترنت.


ترجمة الجناس

في هذا المعرض، طُرحت أفكار يُفترض أن تبني على ما سبق وتنتبه إلى أنّ الذكاء الاصطناعي بات رهاناً أساسياً أمام محتوى اللغة العربية الذي يشكو الضعف مقابل اللغات الرئيسية الأُخرى. وعليه، فإنّ المُشاهد العربي الذي يقف أمام لافتة المعرض يقع فوراً في تشويش، وحين يستفسر لكي يزول التشويش يصيبه الإحباط، أو الوجه الكوميدي له.

فالعنوان " Ai or NAY? Artificial vs. Intelligent"، صياغة مستلهمة من ثقافة بريطانية ومن جناس لغوي إنكليزي ترجم إلى العربية بطريقة غريبة ليصبح "الذكاء المُصطنع آي أو لا؟".

وهي عبارة غير مفهومة أبداً للزائر العربي، لا بل غير مألوفة حتى في أميركا الناطقة بالإنكليزية، إذ إنّ كلمتي Aye بمعنى "نعم"، وNAY "لا" أثناء التصويت في البرلمان هو تقليد بريطاني، فجاء تصميم العنوان بالإنكليزية بهذا الجناس بين Aye، نعم وAi ذكاء اصطناعي.

وإذ يكتسي العنوان أهمّية كبرى ليكون، كما يذهب نقّاد الأدب، "عتبة نصّية" فنّية في نصّ أدبي مكتوب، قد يكون غامضاً، أو مجازياً، أو استعارياً، لكن عليه ألّا يتسبّب في التعمية والفوضى، فما بالك بعنوان معرض؟


تداخُل

كما تعامل المتحف في معارضه مع الفضاء الرقمي واللغة والمحتوى العربي الإعلامي، واصل طريقه هذه المرّة في قراءة تداخل الذكاء الاصطناعي في المساحة الرقمية، من خلال تنظيم محتوياتنا، وتحرير واقعنا، واستبدال محرّكات البحث، والبدء في التداخل مع شبكاته العصبونية الاصطناعية، حيث يتمّ تحويلنا إلى بيانات يحلّلها بهدف تقديم تنبّؤات أكثر دقّة.

يتلمس المعرض من خلال أربعة موضوعات: الماضي، عن قرب، الاستشراف، النظرة العامّة، كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مفاهيم الخصوصية والهوية والتمثيل.

معرض الذكاء المُصطنع
من المعرض

وهذه تجارب ضمّها المعرض منها آلة الأحلام لـ جان زويدرفيلد: تُحوّل الرسومات اليدوية إلى أعمال فنّية رقمية، ولدى هند السعد (قطر) وهدير عمر (مصر) عمل مشترك بعنوان "كيف نرى الحاسوب، كيف يرى الحاسوب الإنسان؟"، يُحقّق في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإدراك البشري.

كما يتناول العمل التفاعلي للفنّانة البنغالية فرجانا صلاح الدين، بعنوان "حلويات منقوشة"، مواضيع التأليف واللمس. وأسهمت الفنانة التركية المقيمة في برلين بيلجي أمير، برسوم توضيحية للهوية البصرية للمعرض، والتي تربط بين الفنّ والتكنولوجيا.

ترافق هذه الأعمال الفنّية تركيبات رقمية أنتجها "متحف مجلس الإعلام". "هل هو حقيقي؟"، وهو مقال رقمي يمزج بين مواد توليدية بالذكاء الاصطناعي واللقطات الموجودة. بالإضافة إلى "بناء الذكاء الاصطناعي والصحافة"، وهو عمل تفاعلي يدرس العلاقة المتطوّرة بين الصحافة والذكاء الاصطناعي.. و"أين يقفون؟"، وهو محادثة محاكاة تُسلّط الضوء على إمكانيات وحدود نماذج اللغة والصحافة الاستقصائية.

دعوةٌ للتساؤل حول تقاطعات التعلّم الرقمي والإنساني

وفي أحد الأجنحة نعاين نموذج ذكاء اصطناعي جرى تدريبه على مجموعة كبيرة ومتنوّعة من عيّنات الكتابة اليدوية العربية، إذ دُمجت السمات الفريدة لكلّ عيّنة في أسلوب موحّد وشامل يمكن للجمهور استخدامه لكتابة رسائل خاصّة.
وبينما تتلاشى الحدود بين الإبداع البشري وبين ما تنتجه الآلات، يُبرز المشروع ندرة المحتوى الرقمي للغة العربية مقارنة باللغات ذات النصوص اللاتينية، سواء على مستوى المواقع الإلكترونية أو الخطوط الطباعية.

معرض الذكاء المُصطنع
من المعرض

ولدى طرح هذا المشروع تتوالى الأسئلة عمّا يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الصحافة، وهل يمكن لتقنيات تعلّم الآلة أن تسدّ الفجوة بين الخطّ العربي التقليدي والطباعة الرقمية؟ وهل تُسهم هذه التقنيات في مواجهة التفاوتات الاستعمارية وتعزيز الهوية العربية، أم أنّها قد تؤدّي إلى تعزيز الهيمنة الغربية وتكريس التجانس الثقافي؟

يرافق المعرض أيضاً قاموس شامل ومصوّر بالكامل للمصطلحات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والصحافة.

يندرج هذا كلّه وغيره ضمن ما عبّر عنه القيّم الفنّي جاك توماس تايلور، المشرف على الفنون والإعلام والتكنولوجيا في "متحف مجلس الإعلام"، بالقول إنّ المعرض يدعو للتساؤل حول تقاطعات التعلّم الرقمي والإنساني مع التركيز على كيفية استثمار الصحافة المعاصرة للإمكانات المتنوّعة للذكاء الاصطناعي وفرصه وحدوده.

المساهمون