اختتام "المؤتمر الدولي للاستشراق".. إعادة تعريف الأنا والآخر

28 ابريل 2025
من الجلسة الخاصة التي شارك فيها علي النملة وإحسان أوغلو وعلي الظفيري (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختتم "المؤتمر الدولي للاستشراق" في الدوحة، حيث ناقش تطورات الخطاب الاستشراقي وتأثيره على المعرفة والقرار السياسي، مع التركيز على التمثيلات الغربية للشرق في الأدب والفنون والإعلام.
- أكد محمود الحمزة على أهمية المؤتمر كمنصة للحوار الحضاري، مشيرًا إلى نجاحه في جمع باحثين من 50 دولة وإنشاء قاعدة بيانات للاستشراق، مع الأمل في شراكات بحثية مستدامة.
- تناول المؤتمر "الاستشراق الجديد" في ضوء الثورة الرقمية، وناقش العلاقة بين الاستشراق وحوار الأديان، منظمًا بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية ودولية.

اختتمت، أمس الأحد، الدورة الأولى من "المؤتمر الدولي للاستشراق" في العاصمة القطرية الدوحة، والذي سعى على مدار يومين إلى طرح رؤية نقدية جديدة تعيد تعريف العلاقة بين الشرق والغرب بعيدًا عن النظرة التبسيطية أو الاستعلائية.

منذ الصباح حتى حفل الختام، استمرت الندوات متناولة من بين عناوينها تطوّرات الخطاب الاستشراقي في الفكر الغربي المعاصر، وتأثيره في تشكيل المعرفة وصناعة القرار السياسي، والتمثيلات الغربية الحديثة للشرق في الأدب والفنون والإعلام، إضافة إلى جلسة شبابية بعنوان "الاستغراب والاستلاب"، مع الكاتب أحمد خير العمري.

وألقى محمود الحمزة، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، الكلمة الختامية قائلاً إنّ جهودًا دؤوبة على مدار أشهر طويلة أثمرت هذا المؤتمر "الحافل بالمداخلات الفكرية والأكاديمية الغنية لعدد كبير من المستشرقين والباحثين من الصين وأستراليا إلى آسيا الوسطى وروسيا وأوروبا، والأميركيتين، والشرق الأوسط، وأفريقيا". وهذا ما يجعله "تظاهرة كبرى طرحت فيه آراء مهمة في المضمون والشكل". وأضاف أن القائمين عليه وقفوا قبل أشهر أمام أسئلة حول جدواه وأهميته، مبيّنًا أن النتائج الماثلة تفيد بأن المؤتمر جاء في وقته لتعميق الحوار الحضاري بين مختلف الثقافات والمدارس الاستشراقية.

خطاب استشراقي يقوم على التعددية والانفتاح لا على المركزية

وإلى ذلك، فقد أوجد المؤتمر، بحسب قوله، "قاعدة بيانات جيدة في مجالات تتعلق بالمؤتمر"، متمنيًا أن يكون نواة لشراكات بحثية مستدامة تُبنى على الثقة والمعرفة المشتركة.

لم يخلُ المؤتمر من مداخلات وإحاطات حول الثقافة الأدبية والفنية من سينما وموسيقى وعلاقتها بالاستشراق. وهنا قال الحمزة إن هذه المجالات الغنية، التي لم تُعالج بالشكل الكافي في هذه الدورة، ستكون في المستقبل محل أهمية خاصة.

وقد شهد المؤتمر حضور ما يزيد على 300 مشارك من المفكرين والباحثين والمختصين في قضايا الاستشراق، يمثلون 50 دولة من مختلف أنحاء العالم، مثل المفكر والسياسي التركي إبراهيم قالن، ووزير الثقافة اللبناني غسان سلامة، ووزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة غامبيا مامادو تانغارا، ونائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري.

محمود الحمزة - القسم الثقافي
محمود الحمزة ملقياً الكلمة الختامية (العربي الجديد)

كما فتح المؤتمر أبوابه لاستضافة 1300 شخص تفاعلوا وأثروا النقاشات في جلسات المؤتمر المتزامنة في أربع قاعات من فندق الوادي في "مشيرب" وسط الدوحة.

وكانت لولوة بنت راشد الخاطر، رئيسة المؤتمر ووزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي في قطر، قد أوضحت أن رؤية المؤتمر تسعى إلى خلق مساحة آمنة لنقاشات فكرية عميقة وجادة بلا حساسيات، إضافة إلى التأكيد على أهمية الانعتاق من الحالة السجالية العدمية بين الشرق والغرب بوصفها حربًا، وتفكيك ثنائية الشرق والغرب، وتناول التجربة البشرية بأبعاد حضارية مختلفة، وعدم الاكتفاء في مقاربة الاستشراق بما طرحه إدوارد سعيد وما بعد الكولونيالية.

وسعيًا إلى إثراء المشهد المعرفي بشأن الاستشراق، هدف المؤتمر إلى إعادة قراءة مفهوم الاستشراق وتحليله عبر منظور معاصر، وليس كحقل معرفي قديم، وبوصفه إطارًا فكريًا حاضرًا ومؤثرًا وإن اختلفت أشكاله، مركّزًا على تعزيز الحوار بين الحضارات، وتفكيك الصور النمطية السائدة، وطرح الأسئلة الشائكة من أجل نقل الاستشراق من دائرة التوترات الأيديولوجية والتحيّزات المسبقة إلى فضاء النقاش والبحث العلمي الرصين.

ولم يغب عن اليوم الختامي "متحف لوسيل" المزمع افتتاحه في 2030، حيث ظهر هذا الصرح الذي سيضم أكبر مجموعة من اللوحات الاستشراقية في العالم، في مادة فيلمية، وألقت مديرة المتحف جوليا غونيلا كلمة قصيرة قالت فيها إنّ "افتتاح المؤتمر يدفع الأمل قدمًا لتسريع تشييد المتحف الذي يساهم بدوره في إعادة صياغة موضوع الاستشراق".
وعلى منابر الطرح ظل مصطلح "الاستشراق الجديد" بؤرة الأوراق المشاركة ومحل نقاش حول ماهيته وما يمكن أن يؤخذ منه وما يمكن أن يُرد عليه.

بعض من خلاصات هذا النقاش وردت في جلسة خاصة ضمن حفل اختتام المؤتمر، وضمت كلاً من إكمال الدين إحسان أوغلو، الأمين العام الأسبق لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والباحث السعودي في شؤون الاستشراق علي النملة، وأدار الجلسة الإعلامي علي الظفيري.

وقال أوغلو إن الاستشراق بماضيه وحاضره ومستقبله، وفي ضوء الثورة الرقمية، أخذ أبعادًا جديدة، ولذلك فالبحث والتمحيص اللذان بدآ في المؤتمر يجب أن يستمرا. وأضاف أن المؤتمر مبادرة تُعقد لأول مرة بهذا الشكل الواسع المتعدد الجوانب لظاهرة الاستشراق، وأننا يجب ألا ندرس ظاهرة الاستشراق بواقعها الحالي بعيدًا عن ظاهرتين أخريين، وهما حوار الأديان وتحالف الحضارات، والأخير منظمة تابعة للأمم المتحدة وتأسست في 2005.

وكان أوغلو يشير هنا إلى ما أوردته لولوة الخاطر في كلمتها حول انبثاق فكرة المؤتمر في عام 2021، وهو العام الذي شهد في أوروبا تصاعدًا ملحوظًا في حوادث الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين.

من جلسات المؤتمر - القسم الثقافي
من جلسات اليوم الختامي (العربي الجديد)

وعرّج على واحد من التنميطات السهلة قائلاً بشأنها "ليس كل المستشرقين عملاء استعمار أو أعداء للإسلام"، لكن هذا لا ينفي أن الاستشراق الكلاسيكي تموضع في سياق السيطرة الإمبريالية على الشرق، كما في أبرز معالمه الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون.

وقال إن الخطاب الاستشراقي شهد منذ نشأته تحولات عميقة عكست تغيّرات موازين القوى الجيوسياسية والمعرفية التي شكلت علاقة الغرب بالشرق، بينما الاستشراق الجديد الذي يدور حوله هذا المؤتمر يضعنا أمام لحظة تاريخية مختلفة يسود فيها الانفتاح المعرفي وتعدد مصادر إنتاج المعرفة وتراجع المركزية الغربية أمام تعددية حضارية، على حد تعبيره.

لكن علي النملة لا يوافق أصلاً على وجود مصطلح "الاستشراق الجديد"، بل الدقة بالنسبة إليه تقضي بأن يكون استشراقًا مُحدثًا. لماذا؟ لأن المصطلح Neo-Orientalism يعني أنه استشراق يتلبّس بلباس جديد، قد يقع تغيير في اللغة بيد أن المنطلقات والأهداف هي ذاتها.

وأفاد بأن أيًا من الأوصاف اللاحقة لاسم الاستشراق وآخرها الاستشراق الرقمي تؤكد أنه باق، و"الاستشراق الرقمي" يؤكد استمرار الظاهرة بوسائل حديثة. ومع ذلك فإن النملة وهو يستشهد بمصطلح آخر هو "الاستشراقوفوبيا" (رهاب الاستشراق)، قال "نريد ألا نخاف من الاستشراق" الذي ما زال يحمل حمولة تاريخية سلبية عند الكثيرين في الوطن العربي.

لم يتقرر بحسب البيان الختامي إن كان المؤتمر سيعقد سنويًا أم كل سنتين، لكن محمود الحمزة، رئيس اللجنة العلمية، طرح جملة من الأفكار التي قد تحوّل المؤتمر إلى مجال مستمر من الفعاليات الثقافية يكون درة تاجها مؤتمر عالمي.

وقد نظمت المؤتمر "وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي" و"مركز مناظرات قطر"، بالشراكة مع اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات في وزارة الخارجية، وبالتعاون مع صرح أكاديمي متكامل يضم "جامعة قطر"، و"جامعة حمد بن خليفة"، و"معهد الدوحة للدراسات العليا"، إلى جانب مؤسسات دولية رائدة مثل "جامعة لايدن الهولندية"، و"معهد الدراسات المتقدمة" في سراييفو، و"جامعة داغستان الحكومية".

المساهمون