إلياس لحود.. وصية جيل كامل

27 ابريل 2025
إلياس لحود (1942 - 2025)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يمثل رحيل إلياس لحود نهاية جيل من شعراء الجنوب اللبناني، الذين ارتبطوا جغرافياً وسياسياً بالجنوب، مما جعلهم امتداداً للشعر الفلسطيني.
- تميز لحود بقدرته على الكتابة باللغتين الفصحى والعامية، ومزج بين الأساليب الشعرية المختلفة، مما جعله شاعراً عمودياً وتفعيلة، وأحد أكثر شعراء الجنوب تسييساً.
- جمعت تجربة لحود بين السريالية والشعر السياسي، حيث كان من أوائل من أعلنوا سرياليتهم، مما جعل أشعاره تعكس صوت ومطالب جيل كامل.

يبدو رحيل الشاعر اللبناني إلياس لحود (1942 - 2025) فصلاً آخر من نهايات جيل. غاب حسن عبد الله، ومحمد علي شمس الدين، وعصام العبد الله، ومحمد العبد الله. ربما تجمع هؤلاء تسمية راجت في حينها، هي "شعراء الجنوب".

هذه التسمية مقابل لبناني لشعراء الأرض المحتلة الفلسطينيّين تتبادر إلى الذهن على هذا النحو، رغم فروقات جوهرية. ذلك الخلط يرتد إلى قراءة سياسية في الغالب، إن لم نقل قراءة جغرافية، فالجنوب اللبناني على الحدود الفلسطينية، الأمر الذي جعل منه، وربّما من شعره، امتداداً فلسطينياً.

كانت سنوات إلياس الأخيرة درجة من الخفاء، وقد يكون ذلك الخفاء شاملاً للأدب اللبناني. طغت الحروب الأهلية المتلاحقة عليه، وغابت الصحافة، فبات مردّه إلى صفحات "فيسبوك" التي تقدّمه بوفرة، إلا أنها ليست مجال تفاعلٍ نقدي، فهي تطرح ما يصل إليها كما هو على حاله، بدون أن تضعه تحت تحكيم ومقاسات ومعايير، من دون أن تغني القراءة التفكير حوله، ومن دون أن يلحقها تطوّر في الأشكال والمفاهيم.

إلياس لحود، وربما جيله كله، خفت وابتعد صوته وصداه. لكنّ رحيله الآن لا يعيدنا إلى شعره وحده، بل إلى جيل من الشعراء، هو جيل الطور الثاني للقصيدة الحديثة، وبالفعل كان إلياس نشطاً للغاية فيه. بدأ بالشعر مبكراً جداً، بحيث يعتبر بعض نقاده أنَّ عمره الشعري يتجاوز السبعين عاماً. بدأ مبكراً وكأنه ولد شاعراً. هناك رواية عن أنه باشر الشعر، وهو لا يزال على مقاعد الدرس، بل باشره بالفرنسية. لم نقرأ له شيئاً بهذه اللغة، لكننا قرأنا له شعراً بالعربية، بل بعربيات، فهو كتب شعراً بالفصحى وأتبعها بالعامية.

له في العامية ديوانان، ومن يقرأ له فيها يجده متمكناً. ليست عامية شعره بحت تمرين، وليست محض هواية. عاميته سلسة ومتينة. لكننا، ونحن نتابعه، لا نتعجب من أنه كتبَ باللهجة المحلية. لا نتعجب من أي من كتاباته، فنحن الآن أمام مغامر عريق، لا يفوته شيء ولا يعصي عليه شيء. إنَّ له القدرة، بل الطموح، على أن يبادر إلى كلّ ما يلقاه أمامه. له القدرة على أن يباشر كل ما يعرض له.

تجربة مزجت بين العامّية والفصحى، السريالية والشعر السياسي

ذلك يدعونا إلى إعادة قراءته. هنا لا نكاد نجد باباً من أبواب الشعر إلا ويطرقه. إذا عدنا إلى بداياته، بل إلى أواسطه، وجدناه شاعراً بأكثر من طريقة ولغة. هو في عامياته موازٍ له في الفصحى. يقول:

"من محفظة ولد وقع كتاب 
اتسطح ع ضهروا غاب غاب وجاب 
تسمحو نركب ع ضهروا مدخنة ودولاب 
لحظة بتبرموا شفاف الهوا 
ولحظة ببرم فتحتين وباب".

إلياس لحود كمن آل على نفسه ألا يترك ميداناً إلا ويطرقه ويجربه. بالطبع لم يكن في كلّ ذلك بالقدرة نفسها، وربما كان، في بعضها، يُقحم نفسه في ما ليس من طبعه، فهو يريد أن يكون ماثلاً في كل مكان.

كان شاعراً عمودياً وشاعر تفعيلة في الوقت ذاته. ليس هذا وحده، لقد كان أيضاً من شعراء الجنوب، ومن أكثرهم تسييساً حين يتسع المجال له في ذلك. كان يرى نفسه حديثاً للغاية، بل، كما كان يصرّ، ما بعد الحداثة.

هو بالتأكيد من أوائل الذين أعلنوا سرياليّتهم، فقلّة هم الشعراء الذين جاهروا بذلك وتبنّوه. لكن سريالية لحود هي سرياليته، وبعضها باعث على الحيرة. لا يبقى شيء من هذه السريالية، حين يرفع لحود صوته بأشعار سياسية. إنه قادر على أن يتنقل في مختلف ضروب الشعر ومختلف طرائقه.

هذا ما يعود، بدون شك، إلى فرادة، بقدر ما هو خليط يتجانس ولا يتجانس. لكننا بحق نجد في أشعاره ما هو بحق صوت جيل، ومطالب جيل، وربما في النهاية وصية جيل.

 

* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون