إسماعيل الخالدي.. مراوغات لاعب كرة قدم في ملعب القمع

10 مايو 2025
من العرض (تصوير: باول رودريغز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسرحية "قدم" في مدريد، من تأليف إسماعيل الخالدي وإخراج سامي خليل، تقدم إجابة فنية على سؤال كتابة الشعر بعد غزة، عبر مونولوج شعري لبطلها، لاعب كرة قدم فلسطيني، يعكس معاناة شعبه وتاريخ كرة القدم الفلسطينية.

- العرض يستعرض تجارب مؤلمة للاعبين فلسطينيين، ويبرز الفساد في بعض القيادات، مع التركيز على المقاومة الثقافية، حيث يلتقي الفن بالمأساة، ويجمع الفلسطينيين من مختلف أنحاء العالم تحت حلم واحد.

- المسرحية، التي لا تتجاوز 37 دقيقة، تدمج بين الصوت والحركة، وتدعو الجمهور للتفكير، مؤكدة أن المسرح يجب أن يكون شاهداً ومتهماً في مواجهة القتل.

في زمن تُبث فيه الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة عبر الهواتف المحمولة، يبدو سؤال الفيلسوف الألماني أدورنو "هل يمكن كتابة الشعر بعد أوشفيتز؟" أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ولكن بصيغة جديدة: هل يمكن كتابة الشعر بعد غزة؟ وهل يمكن للمسرح أن يتجاهل هذا النزيف اليومي، الذي يصوّره ويشاركه الأقارب والجيران في بثٍ مباشر من الجحيم؟

مسرحية "قدم"، التي تُعرض حالياً على خشبة مسرح "Nave 73" في مدريد، وتتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، عن نص شعري للكاتب الفلسطيني - الأميركي إسماعيل الخالدي، وإخراج سامي خليل، تقدّم إجابة مسرحية وشعرية عن هذا السؤال، وتنهض كعمل فنيّ سياسي مكثّف، أشبه بطلقة أو قصيدة مرّة، لكنّها تنبض بالحياة.

بطل العرض هو لاعب كرة قدم فلسطيني شاب، يقف أمام الجمهور ليحكي، لا قصةً واحدة، بل شظايا من تجارب ومآس تعكس الواقع المعقّد والعنيف الذي يعيشه شعبه. من خلال مونولوج شعري ساخر في بعض اللحظات، ساخط في أخرى، يستعرض الشاب تاريخ كرة القدم الفلسطينية، من الاعتراف المتأخر باتحادها في 1998، إلى منع الفريق من اللعب على أرضه، ومروراً بحكايات لاعبين قُتلوا أو سُجنوا أو تعرّضوا للتنكيل الجسدي، وغيرها من أنواع العذابات والاضطهادات.

لا يقدّم العمل سرداً تقريرياً، بل يمرّ على الجراح بخفة لاذعة، تلمسها ولا تستعرضها. بطل العمل لا يروي فقط، بل يتماهى مع الشخصية حتى يبدو كأنّه الفلسطيني الذي وُلد في رام الله أو غزة، حيث يقف أمام كرة قدم بسيطة، يُحاورها كما يُحاور ذاكرة مثقلة بالموت، ويراوغ بها كما يراوغ القمع، يركلها وكأنه يركل الجدران العالية التي تفصل شعبه عن العالَم.

يستعرض تاريخ كرة القدم الفلسطينية من بدايتها إلى منع الفريق من اللعب

ليست مسرحية "قدم" مونولوجاً كلاسيكياً، بل هي أقرب إلى تأملٍ حيّ في الفراغ، حيث تلتقي كرة القدم بالمأساة، وتتقاطع الهويّات كما تتقاطع اللغات في معسكرات التدريب الخاصة بالمنتخب الفلسطيني، الذي يجمع فلسطينيين من أميركا اللاتينية، وأوروبا، ولبنان، لا يجمعهم لسان واحد، بل حلم واحد.

وفي لحظة ما، يستحضر العرض روح الكاتب الإيطالي داريو فو، خصوصاً في استدعائه مشهد "يسوع الطفل الفلسطيني". هذه اللحظة، إلى جانب لحظات أخرى من العمل، تكسر حدود الزمن، وتربط بين نكبات متكررة ومستمرة.

في النص، يُسلّط الخالدي الضوء أيضاً على فساد بعض القيادات الفلسطينية، معلناً أنّ "الطيّبين إما موتى أو خلف القضبان". وهو تصريح فني صارخ لا يخشى تسمية الأشياء بأسمائها، ولا التلميح إلى أن الصراع لا يحتمل تبسيطاً أخلاقياً ساذجاً.

لا تتجاوز مدة العرض 37 دقيقة، لكنها تختصر زمناً كاملاً من الألم والتحدّي. عرضٌ مسرحي يُقاوم بالصوت والحركة، بالصمت واللغة المختلطة، بركل الكرة في وجه النسيان. هو عرض يذكّرنا بأن المسرح لا يجب أن يكون محايداً في مواجهة القتل، بل شاهداً ومتهماً وراوياً في آن واحد.

لا خاتمة تقليدية للعرض. وقفة لا غير. صمتٌ. ربما دعوة للجمهور ليكمل النص في خياله. وهذا يضع العرض في سياق أوسع من المقاومة الثقافية، حيث الفن لا يقدم أجوبة، بل يحفر في الأسئلة.

المساهمون