أين أنت؟

12 يناير 2025
أس. قمر الدين
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يائيل يعيش في خوف وقلق بسبب القصف المستمر على غزة وغياب والده في ألمانيا، بينما تعاني والدته من الحزن بعد تفتيش المنزل من قبل ملثمين.
- يجد يائيل لحظات من الأمل من خلال تبادل الابتسامات مع فياض، الطفل الفلسطيني، رغم اعتراض والدته على هذا التواصل.
- الأحداث تتفاقم عندما يشهد يائيل تدمير منزل فياض، مما يترك أثرًا عميقًا فيه، بينما يرى عصفورًا يرمز للسلام، مما يعكس رغبته في إنهاء العنف.

نظر يائيل إلى السماء عبر النافذة المفتوحة قليلاً. كان الدخان الذي صنعته الصواريخ الهادرة التي مرّت عبر السماء تحت ضوء باهت قد بدأ ينتشر كأنّها جيشٌ يمرّ مختبئاً. كان يندهش لكلّ قنبلة تنفجر في غزّة. سحَب البطانية من طرف قدمَيه إلى وجهه ثمّ أغمض عينيَه بشدّة. كم من يوم قد مضى بعد أن بدأ القصفُ الجويّ الغاشم! لم تصل ماما حتى الآن إلى غرفة النوم. ربّما تجلس في مكان ما من الحجرة حزينة، أو قد تكون مشغولة بمكالمة هاتفية مع بابا.

لم يحضر أبي لاحتفال "المظلّة" هذه المرة. كان في ألمانيا. هو يمتلك جواز سفر ألمانياً. نفتقده كثيراً رغم مشاركة كلّ الأقارب في الاحتفال الذي امتدّ أسبوعاً كاملاً. بدأت الصواريخ تسقط على الأرض محدثة دويّاً هائلاً يصمّ الآذان في الصباح الباكر. قالت ماما إنّها لم تُفكّر حتى في أحلامها أنّ شيئاً مثل هذا قد يحدث في أورشليم. لم تعُد ملامح وجهها كما كانت حين رأيناها في الاحتفال مبتهجةً في الغناء والرقص. أصبح وجهُها الآن منتفخاً بسبب البكاء والنحيب.

كانت تعتقد أنّه لم يكن بإمكان الفلسطينيّين الوصول إلى هنا

انتهت الضجّة حول البيت الآن. ولكنّ ماما لم تفتح باب البيت. أحدٌ ما يطرق الباب. قد يكون من الجيران أو الأقارب. دخل البيت شخصان ملثّمان حاملين بندقيّتَين ويرتديان ملابس سوداء. جلستُ أنا وماما في زاوية من الغرفة مستندَين على الجدار.

"لا تخافا، نحن لا نؤذي النساء والأطفال". فهمنا من كلامهما أنّهما من العرب. فتّشا البيت كاملاً. من الأفضل ألّا يحضر أبي في هذا الوقت. احمرّ وجه ماما. كانت تعتقد أنّه لم يكن بإمكان الفلسطينيّين الوصول إلى هنا.

حين تأكّدا من عدم وجود رجال داخل البيت، أكلا بعض الخبز والفواكه الموجودة على طاولة الطعام بعد أن استأذنا منّا، ثمّ انتقلا إلى الشقّة المجاورة. علمنا فيما بعد أنّهما أخذا بعض الساكنين فيها رهائن.

هاتفت أمي أبي وبكت كثيراً.

فتح يائيل زجاج النافذة بأناة. رأى من بعيد قاذفة الصاروخ الخاصّة بالقبّة الحديدية كأنّها شخصٌ منعزل. وراءها حائط. وخلفه مكان خال. ثمّ يأتي صفٌّ من العمارات. رأى فيّاضَ لأوّل مرة لمّا ذهب مع ماما لسقاية حقول الجزر قرب العمارات المحيطة بالجدران. كان هو وأصدقاؤه يلعبون كرة القدم في المكان الخالي. كان يائيل يُحبّ كرة القدم حبّاً جمّاً. لاحظ طريقة لعب فيّاض قليلاً. حسد الأطفال الذين يلعبون حتى وسط المعاناة والمآسي. نظر إليهم. ابتسم له فيّاض. رأت ماما أنّنا نتبادل الابتسامات. غضبت. شتمتني كثيراً. أمرتني ألّا أنظر إليهم.

رأيتُ فياضَ بعد ذلك مرّةً أو مرّتَين. تبادلنا الابتسامات. لم نتكلّم. فقط ضحكنا. عيناه اللمّاعتان. وجهه الباسم. كلُّ هذا لا يغيب أبداً من قلبي.

فجأةً، رأى يائيل صاروخاً ينطلق عبر السماء. أضواء تختطف الأبصار. وفي لحظة التجلّي رأى منزل فيّاض واضحاً. ثمّ سمع ضجّة انفجار كبير تليه عتمة كاملة. لا شيء واضحاً أبداً. برق صاروخ آخر. في ضوئه رأى منزل فيّاض مدمَّراً تماماً... وفيّاض...

ومن العتمة أتى عصفور وجلس على زجاج نافذته. أمعن فيه يائيل. رأى قطرة من الدم على رجل العصفور. رأى على وجهه وجه فيّاض. بدت له ورقة زيتون جافّة على منقاره.

نظر العصفور إلى وجه يائيل ثمّ طار نحو السماء.

كان القصف مستمرّاً فوق سماء غزّة... رنّ في أذنَيه سؤال يهوه المطروح على آدم في العهد القديم "أييكا؟ (أين أنت؟).
صوت آلاف الأمّهات... أين أنت؟
 

* ترجمة عن المالايالامية: فيلابوراتو عبد الكبير

** Qamarudheen. S كاتبٌ هندي معظم كتاباته في أدب الطفل والفتيان، وقد حصل على العديد من الجوائز في هذا المجال.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون