أقوالهم التي شهدت عليها السماء

14 فبراير 2025
من آثار الدمار الذي سببته حرب الإبادة الصهيونية في خانيونس، 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يصف النص مشاهد الحرب والدمار، حيث يتلقى الجنود أوامر بعدم أخذ أسرى، وتفقد العائلات أحبائها وتدفنهم بأيديها، مع تلاشي الأمل وسط الخوف والموت.
- يتناول النص تأثير الحرب على الحياة اليومية، من فقدان الأحلام والعيش في خوف دائم، إلى محاولات البقاء من خلال تناول الأعشاب وحفر القبور، مع تفتيش الجنود لملابس الشهداء.
- يعبر النص عن فقدان الأمل والإنسانية، حيث يصبح العري والجوع واقعًا يوميًا، ويعيش الناس الخوف في أحلامهم، بينما يهدد الحاكم المجنون بمزيد من الدمار.

"قالوا لنا، لا تأخذوا منهم أسرى.  
اقتلوهم برصاصكم، بخناجركم، أو
بكعاب بنادقكم"، قال جندي لمراسل صحيفة.

"تنفجر الشرايين، أو تتمزّق القلوب،
هذا موتٌ لا نخافه، لا نهرب منه"، قال رجل يدفن ابنه أمام باب بيته.

"عندما أخذنا الجندُ إلى ساحة ضيقة، قلت للّذي يمشي أمامي:
لنبدأ الغناء، حتى تكتمل الوصيّة!"، قال آخر. 

"لم يعُد للأحلام بهجة، 
صارت تقطعها مُسيَّرات الخوف والموت"
قالت عجوز لا تتذكّر متى آخر مرّة ضمّخت يديها بعجينة الخبز.

"لن أغادر دنياكم قبل أن أجد صورة أمّي"
قال رجل اعتاد نقل الناس من الشمال إلى الجنوب.

"لقد سالت دماء كثير تلك الليلة.
سالت أوجاع عظيمة تلك الليلة والليالي التي تلتها" 
قالت امرأةٌ فقدت أهلها جميعاً.

"عرفنا شهداءنا بكوفيّاتهم، كانت تفوح بزيت الزيتون"
قالت امرأةٌ أُخرى فقدت أهلها جميعاً.

"ألهذا الحدّ يقتل الحجرَ الناسُ؟!"، تساءل خطيبُ الجامع المُهدّم.

"يختبئون من الموت، ونحن نواجه الموت، أليس هذا ما تفعله الحياة؟!"
قال فتىً لم ينم تحت سقفٍ منذ أشهر.

"جاءتنا القاذفات، والدبّابات، وسارقو السَّمك من البحر،
فعرفنا أنّ هذه بداية القيامة،
أنّ المسيح عائد لا محالة" 
قال قسِّيس فقَد عينَه اليمنى وهو يُقلّب بين يديه حديدة عليها نقش نجمةٍ كريهة. 

"كيف لنا اصطياد السمك بأيدٍ عارية؟"، قال صيّاد يقف أمام البحر كلّ صباح.

"الذين تخلّفوا عن المسير، جمعوا الأشلاء في أكياس بلاستيكية، ثم مضوا صامتين"
قال أحدهم قبل أن يصل إلى بلدة مُهدَّمة أُخرى.

"حتى الظلال غادرت الخراب العظيم، قيل أخذهم الجنود في معاطفهم، 
وقيل كانوا يجمعونها في قلوبهم"، قال عجوز يتلفّت يميناً ويساراً فاغراً فمه.

"أوقفونا مكتوفي الأيدي، مربوطي الأعين،
 لم نكن نسمع إلا صفير الريح تلسع أجسادنا العارية"
قال شابٌّ لا يكاد يمشي على قدميه.

"كنّا جوعى نقتاتُ من أعشاب الأرض،
حفرنا في الطريق قبوراً لقتلانا،
وللأحزان التي تفيض من قلوبنا"، قال رجل لم نعرف اسمه ولا اسم بلدته.

"رأينا الجنود يفتّشون ملابس الشهداء، ثمّ يرحلون مسرعين مرتعشين"
قال ولدٌ يمسك بيد أخته الصغيرة

"التلال مليئة بالجثامين، والأشجار حزينة"
قال عابرٌ لم يخبرنا من أين أتى وإلى أين سيذهب.

"حين أفقنا في الصباح، كان ماء البحر أحمر،
والنهار أحمر، والحزن أحمر، لم يقل أحد منا شيئاً"
قالت امرأةٌ شابّة تشقّقت أظافرها وانكسرت ابتسامتها.

"كنّا حين نتعبُ، نبحث عن شجرة أو حائط قائمٍ، فلا نجد غير خرابٍ لا ظلّ فيه"
قال رجل لا يتكلّم ولا ينام إلّا واقفاً.

"نرحل حاملين مرضانا، جثامين أحبابنا، نهرَ ذكرياتنا، وكِسر خبز يابس"
قالت فتاةٌ لم تمشّط شعرها منذ شهرين.

"كان الليل يستر أجسادنا العارية. كانت العيون لا تنظر إلا تحت أقدامها"
قالت عجوز جفّت دموع عينيها من البكاء.

"كنّا نحضن جثامين شهدائنا مثلما يحضن العاشق محبوبته" 
قال رجل بعد صمتٍ طويل.

"العُري صار لباسنا، والجوع طعامنا، أما الخوف يهرب منّا، فلا نجده!"
قال رجلٌ يجلس فوق حجر يفوح برائحة البارود.

"بعد بضعة أشهر، لم يعد أحد منّا يبكي، أو يصرخ. صرنا نفعل كل ذلك في أحلامنا القصيرة"
قالت أُمٌّ لابنتها التي تزورها في الأحلام.

"قال كبيرنا ونحن تحت المسيّرات، اذهبوا، واتركوا جثامين شهدائكم،
لن يرحلوا قبل أن تعودوا إليهم" قال شابٌّ فقد يده.

"حين نتكلّم، نهمس. حتى الطيور صارت تصدح همساً"
قال صبيّ أشعث الشعر نحيل الجسم.

"الحُفر التي حفرناها عمداً لم نجعلها عميقة، 
كنّا نعلم أننا سنعود إليها، ونحفر عميقاً في الأرض"
قال رجلٌ لا نعرف أين ومتى رافقنا في رحلة نزوحنا إلى الجنوب.

"سنحيل كلّ هذه المدينة إلى غبار،
سنجعل الأُمّ تسقي رضيعها دم ثديها،
سنجعلها تتعرّى تحت سماء من دخان كثيف،
وحين تصيح، لأنّ الألم في قلبها قد فاض، سنخيط بإبرة الكراهية فمها"
قال حاكم مجنون يبعد عنّا آلاف الأميال.

 

* شاعر من ليبيا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون