"أقنعة الختان المختلفة"... ما وراء الحماية
استمع إلى الملخص
- يسلط الكتاب الضوء على اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث وجهود منظمات مثل "تدوين" و"Restore" في دعم الضحايا، ويناقش انتهاكات أخرى مثل زواج القاصرات ومسابقات جمال الأطفال.
- يتناول الكتاب مفهوم "الختان السياسي" وتأثيره على دور المرأة السياسي، مستعرضًا مثال الملكة إليزابيث الأولى، ويناقش الضغوط الاجتماعية لتغيير الجسد لتحقيق معايير جمال معينة.
رغم أن الجسد هو مدخل الذات إلى الوجود وإلى الآخر، إلا أنه نادراً ما ينجو من محاولات التشويه والسيطرة، وجسد المرأة خاصة مدعاة دائماً لفرض قوانين للتحكم به، فهو رمزٌ للجمال لكنه محمّل بتراث "الخطيئة"، ما يجعله موضوعاً تنعكس عليه كل صنوف الأذى بحسب الثقافات.
في كتاب "أقنعة الختان المختلفة" (دار الكتب المصرية، 2024)، الفائز مؤخراً بجائزة الدولة التشجيعية المصرية في فرع الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا للعام الجاري، تتناول الباحثة إيريني سمير حكيم أنواع الختان التي تمارس ضد المرأة منذ العصور القديمة وحتى الآن. تُستذكر هنا الكاتبة الراحلة نوال السعداوي وكيف فُصلت من عملها حين تناولت أضرار الختان، في كتابها "المرأة والجنس"، وهي لا تزال طبيبة متدربة، ولم تتمكن من نشره إلا في عام 1971. على الأقل، يبدو الآن الأمر مختلفاً وإن كان نتاجاً لشجاعة السعداوي التي بدأت بكسر التابو في ثمانينيات القرن الماضي حين أطلقت حملة ضد الختان باعتباره جريمة، إلى جانب كتّاب وأطباء آخرين يدافعون عن الحق في الحياة.
تفاوتت الآثار التي ترتّبت على تلك الحملة من حيث تناقص أعداد من يمارسون هذه العادة، وصولاً إلى صدور بعض القوانين، أولها عام 1996، القانون الذي يمنع الختان إلا لضرورة طبية، ثم استمر تعديل القوانين حتى صدر قانون بتجريم الختان نهائياً سنة 2021.
يوم عالمي
يمثل السادس من فبراير/ شباط اليوم العالمي لإحياء مناهضة ختان الإناث، والذي ترعاه "يونيسف" لمواصلة تذكير العالم بمدى خطورة تلك الممارسة، وتعزيز القضاء عليها في مناطق مختلفة من العالم. بالتزامن مع يوم "يونيسف"، أعلنت منظمة "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي في مصر، بالتعاون مع مركز Restore المتخصص في العلاج التكاملي لمضاعفات ختان الإناث، عن توفر فرصة لدعم عدد محدود من الحالات مجاناً من خلال التقييم والدعم النفسي أو العلاجات الطبية، التي تشمل علاجات غير جراحية لتحسين الإحساس ووظائف الأعضاء، والجراحات الترميمية لتجميل مظهر الأعضاء الأنثوية.
انتهاك فكرة الجسد المكتمل
ما الذي يجعل امرأة تضع حلقات معدنية مؤلمة حول الرقبة لتطيل رقبتها في طقس متوارث في قبيلة الكايان بين بورما وتايلاند، وما الذي يقيّد أقدام المرأة في الصين كي تظل صغيرة، فتسير المرأة بخطوات ثقيلة لا تؤهلها للذهاب بعيداً عن البيت، فتبقى محمية تحت رعاية وسلطة الرجل.
لا اعتراف بأن من يحمي المرأة هو عقلها أو مبادؤها واختياراتها
بالاعتماد على المنهج التحليلي المقارن، تحاول الباحثة إيريني سمير حكيم الإجابة عن هذه التساؤلات، فتوضح معنى الختان التقليدي الذي يتم فيه استئصال جزء من جسد المرأة ثم تتطرق لزواج القاصرات باعتباره نوعاً من الإساءة الجنسية، ومن البيدوفيليا إلى مسابقات جمال الأطفال، يرصد الكتاب كل ما يمسّ الجسد بغير حق قبل أن يصل إلى مرحلة البلوغ، أو اكتمال العقل الذي يؤهل الإنسان لاتخاذ قرارات تخص جسده المعتدى عليه بشتى الوسائل.
من الختان التقليدي إلى ختان الزوجات
في اعترافات نسائية محزنة شهدتها محكمة الأسرة في مصر، تقول إحدى الزوجات في قضية الطلاق التي رفعتها بعد اعتداء زوجها عليها بالضرب: "عندما تزوجت رغم أنني موظفة ومن عائلة تتحدى الجهل إلى حد ما لكنني خضعت للختان، وظننت أنني أستطيع أن أمنعه عن ابنتي لكنه لم ينتظر حتى تكبر ابنتنا، وقام بختانها وهي في عمر ثلاث سنوات خوفاً من أن يمتنع الأطباء بعد ذلك، وحين جاءت له فرصة للعمل بالخارج، قال إنه يخشى من سفره، لأنني لن أتحمل طول مدة غيابه لأنني مختتنة بشكل غير كامل، واقترح أن أخوض التجربة نفسها، وعندما استمعت لكلامه طلبت الطلاق، ولكنني عدت مكسورة لأن الأهل لا يدعمون فكرة الطلاق، فخضعت للعملية ولكنه هجرني بعدها بحثاً عن المتعة وتزوج بأخرى"، وفق الشهادة التي ضمّها الكتاب.
يبدو انعدام الثقة في المرأة واضحاً، فهي محاطة بإدانتين، أولاهما أن شهوتها ستتغلب عليها لا محالة، فينبغي إزالة جزء من عضو الإحساس بجسدها حتى لا ترغب بالرجل رغم وجود مركز الشهوة في المخ، ومن حسن الحظ أنه محاط بجمجمة صلبة، وإلا لاستأصلوا مركز شهوتها من الأصل. والإدانة الأخرى أنها ربما استجابت لرجل دعاها لممارسة العلاقة الجنسية، أو استسلمت للاغتصاب فجاء حزام العفة ليساعدها في أن تحمي نفسها من نفسها، لا وجود للاعتراف هنا بأن من يحمي المرأة هو عقلها أو مبادؤها واختياراتها، فلا طريق إذن لحمايتها سوى تكبيلها.
حزام العفة في أوروبا
تعود المؤلفة إلى أحزمة العفة في أوروبا، فقد اعتمد رجال العصور الوسطى على أحزمة العفة لمنع زوجاتهم من الخيانة، إذ كانوا قلقين حيال إخلاص نسائهم بينما هم ذاهبون للحرب أو الحج، ولكي يطمئنوا توصلوا إلى فكرة حزام العفة، وهو عبارة عن أداة معدنية يمكن وضعها حول خصر المرأة محاصرة لعضوها التناسلي ويكون هذا الحزام متناسباً بإحكام شديد مع الجسم".
مظاهر رضوخ لاشتراطات اجتماعية لا يُعرف من يضعها ثم يغيرها
وبالانتقال من العصور الوسطى للعصر الحديث، بحسب الكتاب، فإن شابة من المكسيك اشتكت على صديقها عام 2013 لأنه استخدم حزام العفة على سروالها لسنوات بهدف منعها من خيانته، وقد أبلغت الشرطة لأنها لم تستطع فتح قفل سروالها الجينز لتذهب إلى الحمام، وقد انتظرت لعدة ساعات حتى أتى صديقها إلى الشرطة ومعه المفتاح!
وفي مطار أثينا عام 2024 أيضاً، انطلق تنبيه جهاز كشف المعادن عند مرور امرأة بريطانية ليكتشف أفراد الأمن المرتبكين أن سبب ذلك هو حزام العفة الذي كانت ترتديه، وقد سُمح للمرأة بالسفر إلى لندن على مسؤولية الطيار بعدما اعترفت لهم بأن الزوج أجبرها على ارتداء حزام العفة للتأكد من أنها لن تقوم بعلاقة جنسية خارج الزواج خلال زيارتها القصيرة لليونان، ورغم ندرة هذه الحالات، إلا أنها تكشف أن المرأة أحياناً ترضخ لمرضى نفسيين دون قدرة على رفض إملاءاتهم، أو حتى طلب المساعدة.
ختان سياسي
تمهد ايريني سمير حكيم بهذه الأمثلة وصولاً إلى الختان السياسي، الذي يقلِّم عقل الأنثى ليحصرها في الدور المادي الجسدي فقط، ولا يمنحها دوراً قيادياً في تدبير الأمور السياسية والتحكم بمقاليد الأمور. وتنتقي مثالاً يخصّ الملكة إليزابيث الأولى، ملكة إنكلترا، التي استطاعت بدهاء أن تتخذ منهجاً سياسياً لوقف الثأر التعسفي ضد جنسها، واستطاعت "بالعذرية السياسية" والاستقلال بالحكم بلا شريك أن تربح معركتها أمام منهجية الرجل بأفعالها العملية، التي وُظفت بذكاء واتخذت من عفتها شهرة ودعاية وخط دفاع عن وجودها بالحكم، وهو ما يعني أن المرأة تستطيع إذا أرادت أن تقهر رغباتها الفطرية دون الحاجة لاستئصال أجزاء من جسدها. تساهم المرأة نفسها في أحيان أخرى بالاستسلام، لتقع في الفخ نفسه الذي نصب لها من البداية، فكما أراد المجتمع أن تخضع لشروطه الظالمة، تظلم نفسها مرات أخرى بالانسياق وراء هذه الشروط التي تتغير باستمرار، فمن عمليات تكميم المعدة للحصول على جسد نحيف بغض النظر عن صحته الحيوية، إلى وضع حشوات السيليكون في الثدي، أو اللجوء لتكبير الشفاه ووضع خصلات الشعر الطويلة، بحسب الكتاب... جميعها مظاهر رضوخ لاشتراطات لا يُعرف من يضعها ثم يغيرها، ولكن النساء تنفّذها بطريقة واعية أو غير واعية، ربما نتيجة لطوفان الدعايات، لتبدأ المرأة رحلة تشويه الجمال الطبيعي؛ لأن الجسد لم يعد تعبيراً عن الوجود أو الهوية بل صار شرطاً من شروط النجاح الاجتماعي كي تتسلم المرأة صك الاعتراف.
* شاعرة من مصر