استمع إلى الملخص
- يواجه ليفغرين تحديات في الترجمة بسبب الفروقات بين اللغتين وصعوبة كسب العيش، لكنه يرى في الترجمة وسيلة لبناء التعاطف بين الثقافات.
- يسعى لتعزيز التعاون مع العالم العربي ويعمل على ترجمة "النبيذة"، وقد فازت ترجمته لـ"حدائق الرئيس" بجائزة سيف غباش - بانيبال عام 2018.
تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "قلّة من الآداب العالمية يمكن أن تضاهي الإرث التاريخي العريق للغة العربية وتقاليدها الأدبية"، يقول المترجم والأكاديمي الأميركي.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
في صيف عام 2002، ذهبت إلى دمشق والتحقت بدورة لتعلّم اللغة العربية للمبتدئين. كنتُ قد تخرّجت من الجامعة في مدينة نيويورك عام 2001، وبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، رحت أحاول فهم العالم بشكل أفضل. كان من الرائع أن أعيش في سورية لشهرين، أتنقّل وأسافر، وأختبر دفء وحفاوة الناس الذين أبدوا لي كرماً لا يُنسى. عندما بدأت برنامج الدكتوراه في الأدب المقارن بعد عامين، عدتُ لدراسة اللغة العربية من جديد. ظننت في البداية أنّني سأركّز على عصر النهضة والإصلاح في أوروبا خلال القرن السادس عشر، ولكنّني اكتشفت العديد من الفرص للتدريس والبحث في اللغة العربية، فتغيّرت خططي. ثمّ، في السنة الأخيرة من البرنامج، بينما كنت أكتب أطروحتي عن الرواية التاريخية لدى سليم البستاني وجرجي زيدان وفرح أنطون، اكتشفتُ متعة ترجمة الروايات العربية.
■ ما أول كتاب ترجمتَه؟ وكيف جرى تلقّيه؟
- عندما أبديتُ اهتماماً بالترجمة، رشحني أحد أساتذتي لترجمة رواية محسن الرملي الثانية "تمر الأصابع". أثناء قراءتي للرواية باللغة العربية، كنت أسمع صوت الراوي في ذهني وهو يتحدّث بالإنكليزية، ممّا منحني الثقة لتجربة الترجمة. بعد انتهائي من ترجمة الرواية، قدّم لي الأستاذ نفسه فرصة التعرّف إلى نجوى بركات، وقمت بترجمة روايتها "يا سلام". أمّا ثالث ترجمة لي فكانت رواية "حدائق الرئيس" للرملي. وقد فاز هذا المشروع بـ"جائزة سيف غباش- بانيبال" للترجمة الأدبية من العربية لعام 2018، وفي عمر الثامنة والثلاثين، لم أكن قد شعرت حيال أيّ إنجاز في حياتي بسعادة أو فخر أكبر ممّا شعرت به في تلك اللحظة.
حُبّ الكتاب هو ما يدفع المترجمين لاستثمار وقتهم في ترجمته
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية؟ وما هو إصدارك المقبل؟
- بعد تلك الترجمات الأُولى، أُتيحت لي فرص أُخرى، مثل ترجمة رواية "ساعة بغداد" لشهد الراوي، ومجموعة قصص لصاحب الاسم المستعار شلش العراقي، وآخر رواية لنجوى بركات "مستر نون". كان من بين مشاريعي الأخيرة كتاب "حكاية جدار" لناصر أبو سرور، الذي يقبع في السجن في "إسرائيل" منذ عام 1993. وقد أُدرج هذا الكتاب ضمن القائمة الطويلة لـ"جائزة الكتاب الوطنية" لعام 2024، وهي واحدة من أكبر الجوائز الأدبية في الولايات المتحدة، وشعرتُ بشرف كبير لمساعدتي في إيصال قصّة ناصر إلى جمهور واسع. بالنسبة لمشاريعي المستقبلية، أعمل حالياً على ترجمة رواية "النبيذة" لإنعام كجه جي.
■ ما العقبات التي تواجهك مترجِماً من اللغة العربية؟
- اللغة العربية واللغة الإنكليزية مختلفتان للغاية، ويتطلّب الأمر مستوىً عالياً من المعرفة والإبداع لإعادة صياغة كتاب عربي جيّد ليصبح كتاباً جيّداً باللغة الإنكليزية. غالباً ما تُبنى الجمل والفقرات بطرق مختلفة تماماً، ولا توجد ترجمة واحدة صحيحة لأيّ مقطع. أحد الأسباب التي تجعلني شغوفاً بترجمة الأدب العربي هو استمتاعي بالتحدّي المستمرّ المتمثّل في إيصال الفكرة بفعالية باللغة الإنكليزية.
هناك تحدّيات وعقبات أُخرى. من الصعب كسب لقمة العيش كمترجم، لذلك، مثل معظم المترجمين، لدي وظيفة بدوام كامل لا ترتبط بالترجمة، ويجب أن أخصّص وقت فراغي لأعمال الترجمة، ممّا يحد من عدد المشاريع التي بإمكاني إنجازها. فضلاً عن ذلك، غالباً ما يضطرّ مترجمو الأدب العربي إلى القيام بدور الوكلاء الأدبيّين، حيث يحاولون الترويج لأعمالهم لدى الناشرين، وهذه مهمّة صعبة للغاية.
■ نلاحظ أنّ الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- ترجمة الكتب لا تُدرّ دخلاً كبيراً، لذلك غالباً ما يكون حُبّ الكتاب هو ما يدفع المترجمين لاستثمار وقتهم في جعل الكتاب متاحاً باللغة الإنكليزية. فالأدب يُلهم حبّاً من نوع خاص لا تُلهمه عادةً مجالات أُخرى من المعرفة. كما أنّ المترجمين محدودون في نطاق خبراتهم؛ إذ يمتلك العديد منهم خبرة في ترجمة الروايات أو الشعر، لكنّ ترجمة مواضيع أُخرى تتطلّب معرفة متخصّصة، واكتساب هذه المعرفة يجعل عملية الترجمة أبطأ، إن لم تكن مستحيلة.
يضطرّ مترجمو الأدب العربي للقيام بدور الوكلاء الأدبيّين
نحتاج أيضاً إلى زيادة الوعي بما هو متاح باللغة العربية لخلق اهتمام بقراءته مترجماً. يمكن أن يأتي هذا الوعي من خلال المزيد من الوصف باللغة الإنكليزية للكتب الموجودة بالعربية. مصدر آخر للوعي يأتي من الإشارة إلى المصادر العربية في الكتابات الأكاديمية. على سبيل المثال، في مجال دراسات الترجمة، يُعرف الباحث المغربي عبد الفتاح كيليطو على نطاق واسع، ويولّد هذا الانتشار طلباً على ترجمة أعماله، لأنّ الباحثين يرغبون في معرفة ما كتبه.
إذا توفّرت الفرص لنشر أنواع أُخرى من الترجمات وتمويل يدعمها، أعتقد أنّ المترجمين سيكونون سعداء بالمشاركة. على سبيل المثال، تمّ تكليفي من قِبل "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي بترجمة كتاب "الأسلوبية موسيقياً" لنصير شمة. كان مشروعاً صعباً، لكنّني قدّرت الفرصة التي أُتيحت لي لتعلّم الكثير عن الموسيقى العراقية.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد؟ وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- آمل أن أُواصل الترجمة طوال مسيرتي المهنية، سواء من خلال الاستمرار في العمل مع المؤلّفين والمؤلّفات الذين أسّستُ علاقات معهم، أو من خلال اكتشاف مؤلّفين ومؤلّفات جدد يجمعون بين السرد القوي والأسلوب النثري الرشيق أو الإبداعي. بهذه الطريقة، سأواصل بناء معرفتي باللغة والثقافة العربيّتين، وتطوير مهاراتي كاتباً ومترجماً، والمساهمة في دور الأدب في ثقافتنا، ودعم مهمّة تعزيز الفهم بين الثقافات.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي؟ ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- الأدب هو إحدى أكثر الوسائل فاعلية للتعرّف على ثقافة أُخرى وبناء التعاطف والفهم تجاه الآخرين، بغضّ النظر عن مدى تشابههم أو اختلافهم عنّا. وهذا ما يقدّمه الأدب العربي للشعوب التي تعيش في العديد من بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يحمل في طيّاته قصصاً وتجارب متنوّعة تستحقّ المشاركة. علاوة على ذلك، قلّة من الآداب العالمية يمكن أن تضاهي الإرث التاريخي العريق للغة العربية وتقاليدها الأدبية.
بطاقة
Luke Leafgren مُترجم وأكاديمي من مواليد إلينوي في الولايات المتّحدة عام 1979، حصل على بكالوريوس في الأدب الإنكليزي من "جامعة كولومبيا" وبكالوريوس في الفلسفة واللاهوت من "أكسفورد" ودكتوراه في الأدب المقارن من "هارفارد" عن أطروحته حول الرواية العربية المبكرة خلال فترة النهضة. من ترجماته إلى الإنكليزية روايات: "تمْر الأصابع" و"حدائق الرئيس" لمحسن الرملي، و"يا سلام" و"مستر نون" لنجوى بركات، و"ساعة بغداد" لشهد الراوي، و"حكاية جدار" (الغلاف) لناصر أبو سرور. يعمل حالياً على ترجمة رواية "النبيذة" لإنعام كجه جي. فازت ترجمتُه لرواية "حدائق الرئيسي" بـ"جائزة سيف غباش - بانبيال" للأدب العربي المترجَم إلى اللغة الإنكليزية" عام 2018، ووصلت ترجمته لـ "حكاية جدار" إلى القائمة الطويلة لـ"جائزة الكتاب الوطنية" في الولايات المتّحدة عام 2024.