"في عالم كاندينسكي الحميم": لوحات يمكن سماعُها

"في عالم كاندينسكي الحميم": لوحات يمكن سماعُها

25 مايو 2021
"بلا عنوان" لـ كاندينسكي (1913)، التي تعدّ أوّل لوحة تجريدية
+ الخط -

ثمّة أسماءٌ معروفة على نحو واسع في تاريخ الفنون والآداب والثقافة بشكل عام، لكنّ الأسباب التي وضعتها في هذا المقام تبقى، بشكل مفارق، مجهولةً للكثيرين. من هذه الأسماء التشكيلي الروسي فاسيلي كاندينسكي (1866 ــ 1944)، الذي تغطى شهرتُه ليس على تفاصيل حياته فحسب، بل أيضاً على مسيرته الإبداعية.

معرض "في عالم كاندينسكي الحميم"، الذي يقيمه افتراضياً "مركز بومبيدو" الفني في باريس، بالتعاون مع "غوغل آرتس آند كلتشر"، حتى نهاية العام الجاري، يُحاول ربما إزالة هذا الحيف عن سيرة وتجربة فنّان يُعدّ من أبرز الأسماء تأثيراً في تطوّر الفن في القرن العشرين.

يُعَدّ كاندينسكي، لدى أغلب مؤرّخي الفنّان، الرسّامَ الذي وقّع أوّل لوحة تجريدية (وهي لوحة "بلا عنوان"، 1913)، وأباً روحيّاً لهذا التيّار التشكيلي الذي شكّل قطيعةً مع قرونٍ من الاشتغال التشكيلي الغربي المتمسّك بالتصوير الواقعي، من تضاريس وبورتريهات وطبيعة ميتة، وبالأشكال التي تحيل إلى أغراض وأشخاص لهم وجودٌ محسوس بشكل أو بآخر.

الصورة
"تشكيل رقم 6" (زيت على قماش، 1913)
"تشكيل رقم 6"، زيت على قماش، 1913)

ولا تتأتّى "أبوّة" الفنان الروسي للتجريدية من رسوماته وتصاويره فحسب، بل أيضاً من وضعه عدداً من الكتب والنصوص التي باتت مراجع لهذا التيّار الجديد، مثل "المضمون والشكل" (1910)، و"عن الروحيّ في الفنّ وفي الرسم بشكل خاص" (1912)، و"عن الفنّان" (1916)، و"نقطة وخطّ على مسطّح"، إضافة إلى كتابات لم ينشرها خلال حياته، مثل "صوت أخضر" (1908) و"الأسود والأبيض" (1909). 

ويُظهر كاندينسي في هذه الأعمال (تُرجم منها إلى العربية كتابٌ واحد فقط، صدر تحت عنوان "الروحانية في الفنّ"، بتوقيع فهمي بدوي، 1994) موهبة تنظيرية استثنائية وصرامةً بحثية ترقى بكتاباته إلى مصاف النصوص الطليعية. وقد تأكّد هذا البُعد النظري لدى الفنّان الروسي عند انتقاله للتعليم في مدرسة "باوهاوس" الشهيرة في فايمار الألمانية، بين عامي 1922 و1933، حيث أثّر في جيل كامل من التلاميذ الذين سيكون لبعضهم حضورٌ كبير في المشهد الفني انطلاقاً من منتصف القرن العشرين.

يركّز معرض "مركز بومبيدو" على هذه المرحلة التي تتجاوز أهمّيّتها شخص كاندينسكي وتجربته، عبر الإضاءة على المسار الذي قاد الفنّان الروسي إلى "اكتشافه" للتجريد، وهو مسارٌ لم يكنْ واضحاً في بداياته، خصوصاً وأنّه بدأ حياته بدراسة الحقوق، ثم الاقتصاد السياسي، في موسكو، قبل أن يمارس الإثنوغرافيا بعض الوقت، ومن ثم يقرّر العمل كفنّان انطلاقاً من عامه الثلاثين، مع مغادرته لروسيا إلى ميونخ، التي كانت تستقبل في ذلك الوقت العديد من الراغبين بدراسة تقنيات الرسم، من روسيا وغيرها.

الصورة
"صوت مجهول" (ألوان مائية وحبر على ورق، 1916)
"صوت مجهول"، ألوان مائية وحبر على ورق، 1916)

ينقسم المعرض الافتراضي إلى أربعة أبواب يشكّل كلّ منها مدخلاً لاكتشاف جانب من تجربة كاندينسكي: بابٌ للتعرّف إلى سيرته الشخصيّة، وآخر لاكتشاف لوحاته عن قرب، وثالثٌ تتحدّث فيه أنجيلا لامب، مديرة مجموعة الفن الحديث في "مركز بومبيدو" عن إضافة الفنان الروسي إلى تاريخ الرسم، وبابٌ أخير، هو الأكثر طرافة وتجديداً، يتيح "الاستماع" إلى بعض لوحاته.

ولن تبدو فكرة الاستماع إلى رسومات كاندينسكي بغريبة إذا ما عرفنا أنه كان من القلائل الذين يعايشون ظاهرة (أو "مرض") السينيستيزيا، التي تُترجَم عربياً بـ"الحسّ المُرافِق"، والتي تمكّن شخصاً، بشكل لا إرادي، من الربط بين عناصر حسّيّة مختلفة، كأن يرى الشخصُ كلماتٍ معيّنةً بلونٍ يميّزها، أو يترافق عنده إدراك لونٍ ما لصوتٍ ما، كما هو الحال عند كانديسكي.

هكذا، يتيح هذا الباب، "تشغيل كاندينسكي"، الإصغاء إلى تنويعات موسيقية كان الفنّان يتمثّلها كلّما حضر لونٌ إلى إدراكه، كالأزرق الذي كان يمثّل بالنسبة إليه موسيقى معزوفة على آلة الأرغن، ويربطه ببُعدٍ أو إحساسٍ سماويّ؛ أو الأصفر الذي كان يسمعه كصوت ترومبيت، ويستحضر عنده الفظاظة أو التهوّر أو حتّى الوقاحة.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون