"صحائف" أبي الفضل الوليد: الشرق والغرب قبل مئة عام

"صحائف" أبي الفضل الوليد: الشرق والغرب قبل مئة عام

08 مارس 2021
عدنان المصري/ لبنان
+ الخط -

بحلول عام 1921، أصدر الشاعر والكاتب اللبناني إلياس طعمة، الملقّب بـ"أبي الفضل الوليد (1889 – 1941)، كتابه "الصحائف"، أثناء إقامته في البرازيل، والذي قرأ فيه العلاقة بين الغرب وبين الشرق الإسلامي، متأمّلاً الواقع الذي فرضته القوى الأوروبية على العالم العربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكيف رسّخت استعمارها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.

يقدّم الباحثان والأكاديميان زياد الزعبي وأحلام مسعد دراسة وتحقيقاً للكتاب، حيث يشيران إلى أن طعمة رأى أن المدّ الاستعماري الغربي يستند إلى موقف فكري عنصري يرى في الشرقيين أُمَماً متخلّفة وبرّيّة يجب على الغرب أن يعلّمها ويهذبها في إطار مفاهيمه "الإنسانية والحضارية"، ولتحقيق هذه الغاية، فإن الغرب يقوم بإلغاء وجود الآخر بالوسائل التي يملكها.

رأى الشاعر اللبناني عام 2912 أن المدّ الاستعماري الغربي يستند إلى موقف فكري عنصري

"الصحائف لأبي الفضل الوليد: الشرق والغرب واللقاء المستحيل" عنوان كتابهما الذي صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون"، ويوضّح أن الفكرة المحورية التي ينهض عليها كتاب طعمة هي "الصراع الدائم بين الشرق والغرب، وأن الأمر الوحيد المُجدي في دفاع الشرق عن نفسه يكمن في امتلاكه القوّة والقوّة فقط، ولأن الغرب لا يفهم إلا هذه اللغة، وهي اللغة التي مكّنته من السيطرة على الأمم الأخرى، وفرض هيمنته وقيمه عليها".

يبيّن المؤلّفان في تقديمهما أن "الكتاب سيفاجئ القارئ بلغته قبل آرائه، فلقد كُتب بلغة ليست تراثية فحسب، بل مغرقة في التغريب، في المفردات والصياغة، ولا شك أن صياغة الصحائف على هذا النحو المغرّب مقصودة؛ فهي تحمل في يقين صاحبها بُعداً رسولياً يهدف إلى هداية البشر؛ ولذا وجب أن تكون مفارقة للغة الجارية المتداولة، مثلها مثل أي صحائف جاءت لهداية البشر".

الصورة
غلاف الكتاب

ويلفت الكتاب إلى أنّ حدود الشرق لدى أبي الفضل لا تتوقّف عند الشرق العربي، بل تتجاوزه لتشمل الهند والصين واليابان وكذلك الشرق الإسلامي في تركيا وإيران وأفغانستان، حيث أن "فكرة الشرق الشمولية قد تشكلت لتكون القطب المقابل للغرب. وفكرة الشرق هذه وحدودها فكرة تكوّنت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واستمرت حاصرة حتى النصف الأول من القرن العشرين".

صورة الغرب عند الشاعر اللبناني تتجلّى في بعدين، وفق الكتاب: أخلاقي ومادي. فهو يُظهر صورة الغربي المتعالي المتجبّر الذي لا يقيم وزناً للآخرين، مركّزاً في انتقاده على القوّتيْن الاستعماريّتين الأساسيّتين: بريطانيا وفرنسا، كونهما تمثّلان صورة الغربي المستعمر المتجبّر منذ الحروب الصليبية، ويصفهما بقوله: "تان الدولتان سفاحتان، حديدهما قاطرٌ دماً عبيطاً. وقد تقولان إننا مرسلتان لبلاغ الحق والحرية. فقل: تأفكان، ويعلم ربي أنكما جلادتان للبشرية. المشرق والغرب يضجان منكما ضجيجاً، أفلا تسمعان نشيجاً. لا راحة للبشر ما بقيتما أيتها الدولتان من الإنكليز والفرنسيس، وبكما شقاء الناس، وشقيّتان أنتما بالقرم المؤدي الهرم، لولاكما لم تنشب الحروب، ولم تثقل الكروب في كل الأزمان والأماكن".

الصورة
(غلاف كتاب "الصحائف" لأبي الفضل الوليد اصلادر عام 1921)
(غلاف كتاب "الصحائف" لأبي الفضل الوليد الصادر عام 1921)

ويضيء الكتاب سيرة أبي الفضل الذي سافر إلى البرازيل عام 1908، وأصدر فيها جريدة "الحمراء" واشتهر بأشعاره الوطنية، كما أنه أعلن إسلامه عام 1916 وغيّر اسمه الذي كان يعرف به (إلياس طعمة)، وكان ذلك نقطة تحوّل في حياته، فقد جعل كتاباته تدور حول موضوعات إسلامية، وكتب مطولات شعرية يفتخر فيها بعروبته وإسلامه، ويحضّ أمته على النهوض.

وبعد عودته من البرازيل، زار القاهرة ومنها القدس وعمّان ثم دمشق، وفي مطلع عام 1925 سافر إلى بغداد، إلى أن عاد إلى قريته، قرنة الحمراء، عام 1926. وأصدر عدداً من أعماله النثرية إلى جانب إصدارته الشعرية، مثل "رياحين الأرواح"، و"أغاريد وعواصف"، و"الأنفاس الملهبة"، و"القصائد".

الأرشيف
التحديثات الحية

المساهمون