"زاوية الشمس": في مدارات الكتابة المشتركة

"زاوية الشمس": في مدارات الكتابة المشتركة

27 فبراير 2021
عز الدين الصغيّر
+ الخط -

تظلّ الكتابة الثنائية في الأعمال الأدبية نادرة، نظراً لما تقتضيه الأخيرة من اعتماد على التجربة الشخصية وخصوصيّة الخيارات اللغوية والثيمية. هكذا هو الحال أيضاً في ثقافتنا العربية، ففي ما عدا تجربة "مدن بلا خرائط" لـ عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا لن نجد أعمالاً ثنائية تحوّلت إلى علامات أدبية.

حديثاً، صدرت رواية ثنائية بعنوان "زاوية الشمس" جمعت الكاتب التونسي عز الدين الصغيّر والكاتبة الفلسطينية ميّة شلبي كفري عن "دار الفينيق" في الأردن. يدعونا هذا العمل إلى التساؤل عن خصائص الكتابة المشتركة في الأدب، وكيف تكون عملية التأليف إذا خرجت من سلطة الكاتب الواحد فاختلطت بين شريكين.

يضيء لنا الكاتب التونسي تبلور مشروع هذا العمل، فيقول في حديث إلى "العربي الجديد": "منذ وقت بعيد، كنت أودّ الاشتغال على فهم وإدراك الأسباب والعوامل التي أدّت إلى الحروب المباشرة وغير المباشرة بين العالم المسيحيي-اليهوديّ والعالم الإسلاميّ. وبتأمّلنا في سجلات التاريخ المشترك، يمكن ملاحظة أن القدس كانت محوَر نزاع دائم عبر التاريخ بين الطرفين. مشروع رواية "زاوية الشمس" جاء انطلاقاً من هذه الرغبة، وقد اعتبرتُ أن المشروع في حاجة إلى صوت من الداخل الفلسطيني يشاركني فيه، حرصاً على ما يمكن أن تضيفه التجربة الواقعية الحيّة من دقّة وإلهام، وما يمكن أن تساهم به في دعم توثيق الأحداث والوقائع الدّائرة بميادين المقاومة. وبناءً على ذلك تواصلتُ مع الكاتبة مية شلبي كفري من طولكرم".

حول أثر هذه الكتابة المشتركة في خدمة النص، يضيف: "أعتبر أنّ الرواية الثنائية من شأنها أن تعمّق الوعي الجمعي وأن تساهم في ترسيخ قيم المقاومة والالتزام بالمثاليات الإنسانية المشتركة".

يلفتنا أن يقف الكاتب التونسي خلف هذا المشروع الروائي وهو الذي أصدر في السابق أعمالاً بين الشعر والكتابة الحرة مثل "مخطوط هاجر أو القرية التي يخترقها الماء" (2015)، و"وطن الظل" (2017). يقول عن خياره بالاتجاه صوب الرواية: "لم تأت كتابة الرّواية في حياتي من فراغ، وإنّما هي وليدة تجربة بعيدة في الكتابة السردية حين كنت طالباً في تونس ثم شغلتني عنها الالتزامات العلمية حين انتقلتُ إلى بروكسل لمواصلة الدراسات العليا. كما أنني أعتبر أنّ كتابي "مخطوط هاجر" الذي صُنّف ضمن الشعر النثري يمكن أن يتنزّل ضمن الكتابة الروائية. كما أنّ لديّ رواية أخرى بعنوان "معازف الحرية"، كتبتها منذ خمس سنوات ولا تزال تقبع في الظّل، بحثاً عن ناشر".

الصورة
زاوية الشمس

ألا يأتي هذا النزوع نحو الرواية ضمن طفرة تعرفها تونس منذ سنوات؟ سألنا محدّثنا عن موقفه من ارتفاع إنتاج الرواية في السنوات الأخيرة في تونس. يجيب: "أعتقد أنّ ما نشاهده من طفرة في الإنتاج الأدبي بصفة عامّة والإنتاج الروائيّ بصفة خاصّة، خلال العقد الأخير، يعكس تحرّراً يقابل الكبت الذي فرضته عقود الدّولة البوليسية والمنظومة التي وضعتها بعنفها وأشكالها الرقابية والتي تلتقي بإكراهات أخرى تفرضها القوى الاستعمارية". 

يستدرك الصغيّر فيقول: "لكن، هل أنّ هذا التطوّر الإنتاجي كافٍ بينما هناك شرخٌ عميق بين تأليف الكتب وصنعها وتسويقها من ناحية، ومعضلة القراءة بما هي معادلة ثقافية واستهلاكية في آن؟". يضيف: "مَن مِنّا لا يعرف أنّ تسويق الكتاب، خارج المعارض، يبقى ضيّقاً جدّاً وسقيماً، مع تدهور القدرة الشرائية للمواطن، ناهيك عن تدنّي نسبة القرّاء، وهو إفراز منظومة تربوية متأزّمة وضعيفة لا تشجّع بجدية على تكريس القراءة. والأخطر من ذلك انخراط جلّ النّاشرين في عقيدة ثقافية حداثية متذبذبة، مشرذمة الرّؤية، لا تعكس ما تحتاجه المجتمعات العربية".

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون