"رحلات معاصرة".. عن سيرة اللغة والمكان

"رحلات معاصرة".. عن سيرة اللغة والمكان

07 مايو 2022
حسين ماضي/ لبنان
+ الخط -

شغلت الرحلة المخيال الأدبي منذ القِدم، إذ لم تقتصر مدلولاتها على المفهوم الجغرافي المباشر وحسب، بل تفكَّر النّقادُ فيها من حيث بنية نصوصها وتناسقها مع الكتابة. والآداب العربية لم تكن بمنأى عن هذا التأثير الذي تمثَّل في غزارة المدوّنة التي اتّخذت من الرحلة موضوعة لها. 

"رحلات معاصرة: قراءات نقدية" هو عنوان الندوة التي عقدتها "الجمعية المغربية للباحثين في الرّحلة"، مساء الأربعاء الماضي. وقد توجّهت مداخلات المشاركين فيها صوب تفكيك عدد من النصوص المعاصرة، واستجلاء البلاغة اللغوية القائمة فيها. بُثّتِ النّدوة عبر تقنية التناظر عن بُعد "غوغل مِيت"، وأشرف على تنسيقها الباحث عبد الواحد الدحمني. 

العاطفة بوصفها تشكُّلاً خطابيّاً هي النقطة المحورية التي قدّمت من خلالها الباحثة الجزائرية آمنة بَلْعلى قراءتها لكتاب "رأيت في الهند" لمواطنها الكاتب رابح خدوسي؛ حيث بنى النصّ استراتيجيته على غاية دفع القارئ إلى تصديق ما رآه الكاتب في رحلته. لكن الحضور الكثيف لليومي، أو للعلامات التي تحيل إلى التّعجّب - حتّى أنّه وصف رحلته إلى شبه القارة بأنّها "رحلة كاتب في بلاد العجائب" - جعلَ السرد يحلّ مكان البلاغة، ما يُعيد إلى الأذهان التساؤل حول تجنيس الرحلة، ولأيّ حقل أدبي تنتمي؟ 

وبما أنّ في الرحلة مقداراً كبيراً من التصوّر، فهذا يستدعي سؤال النظر في الآخر، كما في كتاب "أوراق مغربية: يوميات صحفي في الأمكنة القديمة" لنوّاف القديمي، وهو النموذج الذي درسته الباحثة المغربية في الأدب المقارَن فاطمة عجّول، التي وضّحت ثلاثة تبايُنات في الكتاب هي: الدهشة، والانجذاب إلى الماضي، وتمثيل المرأة. 

على جانب آخر، تقاطع الباحثان العراقي فاضل عبّود التميمي، والمغربي سعيد البقّالي، في النظر إلى نصّين يمثّلان البُعد المأساوي في الرحلة، وما يثيرُه وَقع المكان الجديد من ألم الانسلاخ عن مكان حمِيمي قديم؛ إذ التفتَ التميمي إلى مدينة هيروشيما اليابانية، كما كتبها الشاعر والرحّالة العراقي باسم فرات، فهناك تُعيده "الأنا المكلومة" نحو اكتشاف مدينته بغداد التي تُشبهه، بقدر ما هي وجه هيروشيما لحظةَ دمارها بالقنبلة الذرّية عام 1945.

أمّا البقّالي فقد تمعّن في نصوص الكاتب الفلسطيني سميح مسعود، وبالأخص سيرته الذاتية المعنونة بـ"حيفا.. برقة البحث عن الجذور"، وفيها يستجلي معاني الشّتات والهجرة. كما قدّم الفنّان التشكيلي إبراهيم مشطاط مداخلته في الندوة، مُتّخذاً من كتاب "في أرض الله" للكاتب عبد اللطيف شهبون نموذجاً عن مفاهيم متعددة مثل رحلة الاستشفاء، والدلالة المكانية، والتقاليد الأنثربولوجية المختلفة. 

من الجدير ذكرُه أنّ "الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة" تأسّست عام 2019، ومن أهدافها الاهتمام بالخصوصية الرحلية، سواء كانت نصوصاً أصيلة أو مترجمة. 

المساهمون