"حياة كلب" لـ قيس بن فرحات: أن نجد الاستعارة التي تختزل مدينة

"حياة كلب" لـ قيس بن فرحات: أن نجد الاستعارة التي تختزل مدينة

23 يناير 2022
قيس بن فرحات في يوم افتتاح المعرض (تصوير: أورهان تركي)
+ الخط -

في الثامن من الشهر الجاري، افتُتح معرض فوتوغرافي بعنوان "حياة كلب" للمصوّر التونسي قيس بن فرحات (1986) في "غاليري صلاح الدين" بسيدي بوسعيد، بالقرب من تونس العاصمة. معرض كان يُفترض أن يتواصل إلى اليوم، لكنه سرعان ما توقّف بعد إعلان وزارة الثقافة إغلاق جميع الفضاءات المرتبطة بالفنون بدءاً من يوم الخميس، 13 كانون الثاني/ يناير الجاري، وهكذا بقيت صور بن فرحات معلّقة في جدران الغاليري، ولكن دون أن يشاهدها الزوّار.

مقابل سوء الحظّ هذا، يمكن الحديث عن حسن حظ وفّرته وسائل التواصل الاجتماعي لصور معرض "حياة كلب"، حيث نقل زوّار الأيام الأولى الكثير من الصور التي تضيء المادة الفوتوغرافية التي يقترحها بن فرحات، فضلاً عن حسن استقبال إعلامي وجد مداه في الشبكة.

بطرافتها وعمق تنفيذها، تشدّ فكرةُ المعرض المشاهدَ؛ ثيمة بسيطة مثل تصوير الكلاب تتحوّل إلى استعارة تختزل مدينة بأسرها. بضع صور تكفي كي نقول إنّ المصوّر الفوتوغرافي قد وجد استعارة كي يقول الكثير عن تونس دون مباشراتية. ككلّ المدن التي تفلت من الانضباط القسري للدولة، تؤوي تونس العاصمة آلاف الكلاب السائبة، وتتحوّل هذه الأخيرة إلى مرآة تعكس واقع الحياة، أي واقع الإنسان أيضاً. هذه الكلاب تعيش هي الأخرى تحت طائلة الخوف من الشرطة، وتجد صعوبة في تأمين القوت، وغير ذلك من يوميات ساكني تونس العاصمة، وهو وضع تتحوّل معه الحياة إلى سلسلة من التقلّبات بين الحزن والمغامرة من أجل تأمين الأفضل.

يبدو قيس بن فرحات وكأنّه قد عثر على استعارة تلخّص واقع المدينة

اختار بن فرحات أن تكون لقطاته بالأبيض والأسود، خالقاً حالة شعورية تجاه المادة البصرية التي يقدّمها، دون أن نغفل عن البُعد الجمالي لهذا الخيار، بما يضفيه من تكثيف وصبغة كئيبة لا يمكن فصلها عن مقولات المعرض الضمنية. كان لا بدّ من مثل هذا التباين اللوني، فكلاب المعرض شخصيات فنية مكتملة، يجري تقديمها في وضعيات من الحياة تماماً كما يوضع البطل المسرحي في مواجهة وضعيات تُخرج ما في ذهنه ومشاعره من طاقة نقدية.

من زاوية نظر أخرى، يمكن أن نعتبر المعرض صرخة غضب تجاه تعامل مدينة مع كلابها (قضية الحيوان). المدينة باعتبارها ذلك القلب البارد والفارغ الذي يلوك كلّ شيء داخل رحى الإهمال والمنفعة. يتركنا بن فرحات نتأمّل من يقع خارج التوظيف المنفعي: كيف تعامله المدينة؟ هل تفعل ذلك لأنه من فصيلة الكلاب، أم تفعل الأمر ذاته مع كلّ مَن يوضع في ذات الوضعية، ولو كان إنساناً؟

مع مرور الزائر بين صور كلاب المعرض، سيكون قد زار كذلك الكثير من أماكن تونس العاصمة. زيارة بصرية لعلّها أكثر كثافة من زيارة واقعية، وذلك معنى عميق للفوتوغرافيا، فهي أبعد من كونها مجرّد مسك الزمن في لحظة؛ إنها تكثيف للمعنى في إطار. يقول معرض "حياة كلب" عن تونس ما لا يكاد يعرفه حتى أبناؤها، وإن عرفوه، يصعب أن يعبّروا عنه بشكل مكثّف.

المساهمون