"بيروت العربي الدولي للكتاب": ضرب ودعاية عسكرية لإيران

"بيروت العربي الدولي للكتاب": ضرب ودعاية عسكرية لإيران

07 مارس 2022
على إحدى منصّات المعرض (فضل عيتاني)
+ الخط -

في مجمل تاريخ "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب"، الذي يُعقَد منذ عام 1956، لن تكون الدورة الحالية، الثالثة والستوّن، استثنائيةً فقط لكونها تأتي متأخّرة عامين، بسبب تبِعات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت صيفَ 2020 والأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية التي يعيشها لبنان، ولا لكونها تُقام في خارج توقيت المعرض المعتاد (نهاية العام)، أو لكونها تقدّم عدداً قليلاً من دور النشر مقارنةً بدورات أُخرى.

فالمعرض، الذي افتُتح في 3 من آذار/ مارس الجاري ويستمرّ حتى 13 منه، شهد اليوم فصلاً غير اعتياديّ في محافل الكتب، تمثّل بالاعتداء بالضرب على ناشطٍ لبنانيّ ــ على الأقلّ ــ اعترض على وجود صور ومجسّمات لشخصيات عسكرية وسياسية إيرانية، أبرزها القائد السابق لـ"فيلق القدس"، المعروف بقيادته لميليشيات إيران في سورية، قاسم سليماني، حيث تصدّرت صورة كبيرة له، بحجم إنسان، جناح "دار المودّة" اللبنانية، التي تعرّف نفسها كـ"مؤسّسة تُعنى بنشر الكتاب الإسلامي الهادف عبر الوسائل المختلفة والأساليب المتعدّدة".

وتناقل مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، اليوم، مقاطع مصوّرة تُظهر انهيال عدد من الأشخاص بالضرب والشتائم والوعيد على الناشط اللبناني شفيق بدر. كما نرى، في مقطع آخر، بدر وهو يحاول خلع صورة سليماني، فيما يردّد آخرون حوله شعار "بيروت حرّة حرّة، إيران برّا برّا". وتأتي الحادثة في سياق اعتراضات وانتقادات تتعالى، منذ يومين، على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان، ضدّ حضور صور ومجسّمات شخصيات عسكرية وسياسية إيرانية في معرض كتابٍ يُقام في عاصمة عربية.

وبُعيد الحادثة، قال الناشط شفيق بدر، في تصريح مصوّر أدلى به اليوم أمام مدخل المعرض، إن شعار "بيروت حرّة حرّة، إيران برّا برّا"، الذي ردّده مع أشخاص آخرين، استدعى هجوماً عليه "بالضرب والإهانات وبعبارات التخوين والعمالة". وطالب باحتواء المعرض على "صور شهداء المرفأ (الذي شهد انفجاراً في آب/ أغسطس 2020)، وصور الشهداء اللبنانيين" بدلاً من صور أشخاص "ليسوا لبنانيين، بل إيرانيون، ومتّهمون بالإرهاب".

كما تناقل ناشطون لبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، أخباراً عن قيام شخصيات من دور نشر إيرانية، مشارِكة في المعرض، بالاعتراض على تأدية أغانٍ خلال حفل أقامته فرقة "بيكار بيروت" في المعرض. وفي تعليق نشرته على صفحتها في "فيسبوك"، أشارت الفرقة إلى منعها من تأدية المقطوعة الأخيرة من برنامجها الموسيقي الذي كان محضَّراً للأمسية، وإلى "انزعاج بعض دور النشر من ثقافة الموسيقى والحياة" في المعرض، من دون تسمية الأشخاص أو الجهة التي قامت بالمنع.

الصورة
صورة القائد العسكريّ الإيراني قاسم سليماني في جناح دار "المودّة" بالمعرض (فضل عيتاني)
صورة القائد العسكريّ الإيراني قاسم سليماني في جناح دار "المودّة" بالمعرض (فضل عيتاني)

من جهته، نفى مدير لجنة "النادي الثقافي العربي" القائمة على تنظيم المعرض، فادي تميم، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن تكون الفرقة قد مُنعت من تأدية برنامجها، قائلاً إنه سُمح لها بالغناء خلال وقتٍ تجاوز الساعة التي كانت محدّدةً أصلاً للأمسية.

وبالتوازي مع تصاعد الانتقادات، نشر "النادي الثقافي العربي" تعليقاً على صفحته في "فيسبوك" يقول فيه إنه "وخلافاً لما يتمّ تداوله في بعض وسائل الإعلام، فإن 'معرض بيروت العربي الدولي للكتاب' في دورته الـ63 مستمرّ كالمعتاد يومياً (...) حتى 13 من الشهر الجاري"، مضيفاً أنّ "الإشكال الذي حصل في المعرض قد انتهى كلّياً".

وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، رفض فادي تميم التوقّف عند تفاصيل حادثة الضرب التي وقعت اليوم في المعرض، مشيراً إلى أن الأهمّ هو أن "يستمرّ المعرض وتستمرّ الثقافة". وقال: "عمر المعرض 63 سنة، وخلال هذا التاريخ عُرضت فيه صور أشخاص كثر، لبنانيين وغير لبنانيين".

وحين استعرضت "العربي الجديد"، لتميم، الانتقادات التي يوجّهها بعض الناشطين الذين يعتبرون أن المعرض تحوّل إلى ما يشبّه منصّة سياسية لإيران، في وقتٍ يُنظَر فيه إلى البلد كأحد أسباب تأزّم المنطقة ولبنان، أجاب بالقول: "نحن في النادي نحتفظ بآرائنا السياسية الشخصية ولا نتدخّل بما تعرضه دور النشر، طالما أن ذلك لا يتعارض مع القوانين اللبنانية".

من جهتها، ترى الصحافية والناشطة مريم مجدولين لحّام أن وجود صور ومجسّمات ودعاية في المعرض لشخصيات عسكرية وسياسية ساهمت في تدمير سورية وقتْل أطفالها، يتعارض مع أبسط قواعد الحسّ الأخلاقي والسياسيّ. وتقول لـ"العربي الجديد": "نرفض وجود صور ودعاية لقاسم سليماني في معرض يُقام وسط بيروت، كما كنّا لنرفض وجود صور ودعاية للبغدادي أو بن لادن".

وتنتقد لحّام "الهيمنة الثقافية" الإيرانية على معرض يُقام في "عاصمة الثقافة العربية"، معتبرةً أن هذه الهيمنة تفارق كلّ ادّعاء من منظّمي المعرض حول التنوّع الثقافي فيه، وأنها تأتي لـ"تُكمّل فائض القوّة السياسية" لإيران في المنطقة. وتضيف: "الحضور الكبير لدور النشر الإيرانية مقارنة بالدور العربية، شبه الغائبة، ووجود أعلام إيرانية أكثر من الأعلام اللبنانية، وصور لشخصيات عسكرية وسياسية إيرانية أكثر حتى من صور الرئيس اللبناني، إضافة إلى كُتب تقدّم البروباغندا العسكرية والسياسية الإيرانية وتلقّنها للأطفال، كلّ هذا يشكّل استفزازاً لأهل بيروت ولبنان، ولجمهور المعرض من لبنانيين وعرب".

يُذكَر أن دورة المعرض الحالية كانت موضع خلاف حتى قبل إطلاقها، حيث صوّت العديد من دور النشر اللبنانية المعروفة ضدّ إقامتها استثنائياً في هذا الشهر حينما سألت "نقابة الناشرين" اللبنانيين رأيهم، وطالبوا بدلاً من ذلك بعقد المعرض في موعده المعتاد نهاية العام. هكذا، حال الإصرار على إقامة المعرض في آذار/ مارس دون مشاركة القسم الأكبر من هذه الدور ــ مثل "الآداب"، و"الساقي" ــ، كما حال دون حضور العديد من الدور العربية المعروفة، والتي فضّلت جميعها المشاركة في معرض آخر، أُقيم في نفس الوقت تقريباً، هو "معرض مسقط الدولي للكتاب"، الذي انتهت فعالياته أوّل من أمس السبت.

المساهمون