"بيت الجزائر الثقافي": جدران تحتضن الخواء

"بيت الجزائر الثقافي": جدران تحتضن الخواء

21 فبراير 2021
بيتٌ في القصبة بالجزائر العاصمة (ميكائيل. ت)
+ الخط -

وهي تتصفّحُ جهازاً لوحياً في مكانٍ بدا أنّه حديقةٌ عمومية، أعلنَت وزيرة الثقافة الجزائرية، مليكة بن دودة، في شريط فيديو بُثّ قبل أيام، عن إطلاق "بيت الجزائر الثقافي"؛ وهو موقعٌ إلكتروني جديد سنقرأ على واجهته تقديماً تعريفياً تقول فيه إنّه "بوّابة تفتحها وزارة الثقافة والفنون تكيُّفاً مع روح التوجُّه الخاصّ بمدّ جسور التواصُل بين مختلف مكوّنات المشهد الثقافي والارتقاء بالأداء إلى مستوى تحدّيات المرحلة والانخراط في مسارات العصر وإدماج الثقافة في الحركية المنتِجة للقيم المضافة".

تبدو هذه العناوين "الكبيرة"، مِن قَبيل "إدماج الثقافة المُنتِجة للقيَم المضافة"، متناغمةً مع لغةِ الوزيرة القادمة من الجامعة؛ حيث كانت تُدرِّس مادّة الفلسفة، لكّنها أيضاً تتناغم مع خطابٍ رسميّ لم ينِ يُكرّر الحديث عن "تحدّيات المرحلة والانخراط في مسارات العصر"، مِن دون أن يتّخذ أسباباً لذلك، مُفضّلاً بعض الشكليات التي سيبدو الحاسبُ اللوحيُّ، في حالتنا هذه، بمثابة إحالة رمزية إليها.

بنقرة على الرابط، سنجدُ أنفسنا أمامَ موقعٍ لا يختلف كثيراً، مِن الناحية الشكلية، عن بقيّة مواقع المؤسّسات الرسمية الجزائرية على الإنترنت؛ حتى ليُخيَّل للزائر أنَّ شخصاً واحداً يقف وراء تصميمها جميعاً. ثمّةَ في الواجهةِ مساحةٌ واسعةٌ تتراصُّ فيها صوَرٌ لمواقع ومعالمَ أثرية وشخصيات ثقافية وفنية في الجزائر، يليها في الأسفل شريطٌ يضمُّ سبع تبويبات هي: "المكتبات"، و"المسرح"، و"السينما"، و"الموسيقى"، و"المعارض والفنون التشكيلية"، و"التراث الثقافي"، و"فضاء الطفل"، ثمُّ أسفلَه مجموعةٌ مِن المواد الموزّعة مِن دون ترتيب أو تبويب، وهي تتراوح بين الأخبار والإعلانات والبيانات.

لماذا تُطلَق وزارة الثقافة موقعاً جديداً بدل تطوير موقعها الرسمي؟

بتصفُّح أبوابه الرئيسية، سنكتشف موقعاً يكتظّ بالأخبار الرسمية؛ وهي في مجملها مواعيد موجزة لبعض النشاطات الثقافية، أو بياناتٌ عن أنشطة الوزيرة ولقاءاتها وتصريحاتها ورسائلها التي تبعث بها مهنِّئةً بفوز كاتبٍ (إنْ فاز بجائزة ثقافية خارج الجزائر حتى وإن تضاءل مستواها وانعدمت قيمتها المعنوية)، أو مُعزّيةً في رحيل شخصية ثقافية. في باب "السينما"، مثلاً، لن تُطالعنا مادّة أرشيفية توثّقُ للسينما الجزائرية أو تُتيح مشاهدة أفلامها... ثمّة فقط فيديو بعنوان "وزيرة الثقافة السيّدة مليكة بن دودة تهنّئ الفنانين في يومهم الوطني"، وآخر يتضمّنُ عرضاً مسرحياً موجّهاً للأطفال قدّمته جمعية محلّية في ولاية الأغواط (جنوب الجزائر). وليس واضحاً تماماً علاقةُ الشريطَين بهذا الباب، وعلى أيّ أساس جرى إدراج العرض المسرحيّ فيه، وهو واحدٌ مِن آلاف العروض المسرحية التي تُقدَّم في الجزائر.

بهذا الشكل، يبدو "بيت الجزائر الثقافي" نسخةً أُخرى مِن موقع وزارة الثقافة، وهو ما يطرح سؤالاً عن سبب إنشاء موقع إلكتروني جديد بدل تطوير الموقع الموجود.

مِن الواضح أنَّ الموقع الإلكترونيَّ الجديد ليس سوى إضافةٍ شكلية في مشهد (وفي بلد) قلّما يُسأَل فيه عن مضامين "المشاريع" وعن جدواها وعن استمراريتها. لنتذكَر، هنا، موقع "بوّابة التراث الثقافي الجزائري"، الذي أُطلق في شباط/ فبراير 2016، وقال القائمون عليه إنّه "أوّل منصّةٍ رقمية، في البلاد، تجمع وتوثّق أشكال الثقافة الجزائرية، بشقَّيها المادي وغير المادي"، وإنّه يهدف إلى "جعل جملة الإنتاج الثقافي الوطني في مُتناوَل الجميع، من خلال الكتب والمخطوطات والأعمال التشكيلية والصور الوثائقية والتسجيلات الصوتية والسمعية البصرية وغيرها من الوسائط". لكنَّه، وبعد خمس سنواتٍ مِن إطلاقه، لا يزال فارغاً إلّا مِن بعض مواد معظمها مأخوذ من "ويكيبيديا" حرفياً، رغم أنّ الموقع أُنجز بالتعاون بين عددٍ من المؤسسات والهيئات الرسمية، وهو "ثمرة عشر سنواتٍ من العمل الذي جُنّد له قرابة ستّين شخصاً؛ بين مترجمين وإنفوغرافيين ومطوّري برامج ومتخصّصين في الفيديو والإعلام والإعلامي"، كما ورد في خبرٍ لوكالة الأنباء الجزائرية، حينها.

لنتذكّر، أيضاً، مجلّة "انزياحات" التي أطلقتها وزارة الثقافة في نيسان/ إبريل الماضي ثمّ توقّفت بعد أربعةِ أشهر لم تُوزَّع خلالها ورقياً ولم تُتَح إلكترونياً، رغم أنَّ الوزيرة الحالية قالت، حينها، إنَّ "رهانها لن يقف عند حدود إطلاق المجلّة والاحتفاء بها، بل سيُعنى باستمراريتها وانتشارها وتطوير مضمونها".

المساهمون