"المعرض الوطني للكتاب التونسي": تقييمان متناقضان لتظاهرة واحدة

"المعرض الوطني للكتاب التونسي": تقييمان متناقضان لتظاهرة واحدة

29 يونيو 2021
غرافيتي من تونس (Getty)
+ الخط -

تقييمان على حدَّي نقيض، تقريباً، يخرج بهما متابع فعاليات الدورة الثالثة من "المعرض الوطني للكتاب التونسي" الذي اختتم أوّل من أمس. يشير التقييم الأول إلى أن الدورة ناجحة، بل استثنائية. أما التقييم الثاني، فلا يجد أي مستند لهذا القول، وبالتالي يعتبر التظاهرة فاشلة، ولكل شق في ذلك حُججه، حتى نكاد نشكّ إنْ كان الجميع يتحدّث عن التظاهرة ذاتها.

الترويج لنجاح المعرض كان أحد أبرز الأدوار التي قامت بها اللجنة المنظّمة، حيث إن تصريحات أعضائها في وسائل الإعلام المحلية كانت تصبّ في تبيين أوجه النجاح، وكثيراً ما جرى التشديد على أن تنظيم المعرض نجاح في حدّ ذاته، نظراً لأن تونس لم تشهد تظاهرة للكتاب منذ أواخر عام 2019، حيث إن جائحة كورونا أفضت إلى تأجيل دورتين من "معرض تونس الدولي للكتاب"، إضافة إلى دورة السنة الماضية من "المعرض الوطني".

كذلك، بدت فئة من الناشرين راضية عن تنظيم الدورة، فرغم أن الحضور الجماهيري لم يكن في المستوى المطلوب، وهو ما يعني عدم تحقيق عائدات مادّية مجزية، فإن إعادة تسليط الأضواء على قطاع الكتاب تُعدّ نقطة إيجابية، كذلك إن المعرض كان مناسبة للتعريف بالعديد من الكتّاب، وإطلاق عدد من الإصدارات.

بإصداراته الجديدة، كان المعرض سبباً في تحريك بركة مياه راكدة

النقطة الأخيرة لعلّها الوجه الإيجابي الوحيد الذي لا يمكن إنكاره، فرغم قلّة الإصدارات الجديدة، يمكن القول إن المعرض كان سبباً في تحريك بركة مياه راكدة، حيث إن إصدارات كثيرة طُبعت خلال أسبوع المعرض، وكانت التظاهرة مساحة لتقديم أعمال صدرت ولم تجد فرصة اهتمام جماهيري، من ذلك أعمال مثل "مدخل إلى نظرية الإنشاء النحوي للكون" لشكري المبخوت، و"قصيد الفلاسفة" و"في استشكال اليوم الفلسفي" لمحمد محجوب، و"التفكير والمقاومة" لـ عمر علوي، و"محمود بيرم التونسي: الصورة وفتنة المتخيل" لابتسام الوسلاتي، و"معجم مصطلحات الفنون البصرية" لسامي بن عامر، و"ماركس: الكلب الميت والمفكّر الحي" لحميد بن عزيزة، و"الإقطاع والمجتمع" للحبيب سريوي (...).

لكن، مَن سمع عن هذه الحصيلة الطيّبة؟ من هنا تبدأ الانتقادات. فالمعرض لم يحظَ بدعاية كافية، ورغم أنه أقيم في "مدينة الثقافة"، أي في قلب تونس العاصمة، إلا أنه بدا كأنه في كوكب آخر، حيث كانت نسبة الإقبال عليه ضئيلة، وتكاد تكون منحصرة في "المستهلكين" المعتادين للثقافة، وهؤلاء هم في الأرجح منتجوها، وبذلك فالمعرض كان عبارة عن مجتمع نخبوي مغلق على نفسه.

أيضاً، انتُقِد البرنامج الثقافي وارتهانه لمجموعة أسماء مكرّسة تظهر تقريباً في مختلف التظاهرات التكريمية، كما برزت في مواقع التواصل الاجتماعي تذمّرات من إقصاء البعض لأسباب تبقى غير معلومة، وهي نقطة لا تخصّ هذا المعرض، بل مجمل التظاهرات التونسية، إضافة إلى انتقادات لوجستية كثيرة، وخصوصاً توظيف المعرض سياسياً.

هكذا وقف المعرض التونسي بين خطاب يبالغ في تقدير ما أنجز وخطاب يكشف من العيوب ما يجعل كلّ جهد ثقافي يبدو كأنه مهدورٌ، لأن التظاهرات الثقافية لا تُحسن تثمين ما تنتجه العقول في تونس.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون