"الحرّيات" على حالها

"الحرّيات" على حالها

06 يناير 2022
من موكب نقل "المومياوات الملكية"، 3 نيسان/أبريل 2021 (Getty)
+ الخط -

الحدث الأبرز ثقافياً في مصر خلال 2021 هو، بالتأكيد، الزيادة المطّردة في الإنفاق الثقافيّ والفنّي، نتيجةً للتحوّلات السياسية التي تعيشها السعودية. ينعكس هذا على مجال الإنتاج الدرامي والسينمائي المصري والعربي، حيث تضاعف عدد الأعمال بشكل ملحوظ، وحيث يعيش السوق حالة انتعاشة معقولة.

ترافق هذا مع جهاد عدد من الفنانين المصريين، سواء داخل مصر أو في المهجر، لإنتاج أعمال سينمائية تعتمد على طرق تمويل بعيدة عن شركات المخابرات المصرية أو السعودية، وتسعى لتقديم سينما مغايرة للسائد. ففي السنوات الأخيرة، أصبح هناك فيلمٌ أو اثنان من مصر يشاركان، كلّ عام، في المهرجانات العالمية. والأزمة التي حدثت لفيلم "ريش" في 2021 خير دليل على هذا التنوّع والصراع بين تيّارات إنتاج سينمائي متباينة.

يمتدّ هذا التحوّل إلى سوق النشر، فلا يخفى على أحد أن دور النشر العربية أصبحت تعتمد على مبيعاتها في معارض الكتاب السعودية والخليجية. ومع إلغاء عدد من تلك المعارض، تعرّضت صناعة النشر في السنوات الأخيرة إلى ضربات اقتصادية عنيفة. شهد العام الماضي مبادرة إطلاق دار نشر "رف" السعودية باستثمارات تتجاوز ملايين الدولارات، لكن لم توفّق "رف" حتى الآن في الاستحواذ على حقوق عددٍ من الأعمال الأدبية العربية لكي تبني مكتبتها، وهناك شكوك حول مدى قدرتها كدار نشر على منافسة بقية دور النشر العربية. لم توفّق مبادرات الدول الخليجية لتأسيس دور نشر كبرى، ومن أبرز التجارب الفاشلة في هذا السياق تجربة "قطر- بلومزبري" منذ 15 عاماً.

في مقابل ذلك، انتقلت حقوق أعمال نجيب محفوظ الورقية إلى دار "ديوان" الصاعدة بقوة لتحتلّ صدارة مشهد النشر المصري، كما انتقلت الحقوق الإلكترونية إلى مؤسّسة "هنداوي" التي ستتيح أعمال محفوظ إلكترونياً مجانّاً هذا العام. كلّ هذا لم يصاحبه أيّ تغيير على مستوى الحرّيات في مصر، فالشعراء والفنّانون في سجون السيسي أو المنفى، أو ممنوعون من النشر. ومن أبرز وقائع منع النشر والتوزيع، ذلك الذي طاول ديوان الشاعر أحمد دومة "كيرلي"، الذي كتبه في الحبس، وهو المسجون منذ ثماني سنوات وحتى اليوم.

على المستوى الفكريّ، هناك سحابة من الضلال الشوفينيّ وأوهام الرّطانة الوطنية تغلّف النقاش العام في مصر. يستثمر النظام السياسي في كوكتيل من الأوهام الوطنية التي يتمّ الترويج لها، مثل استدعاء الهوية الفرعونية، وطقوس الاستعراضات التي تمزج بين تصوّرات غير عِلمية عن الهوية المصرية القديمة وتُحاول ربطها باللحظة المعاصرة.

اللغو الفارغ لتجديد الخطاب الديني كذلك يحتلّ حيّزاً من الفضاء العام، ومعظم المداخلات حوله تتركّز على الأحاديث والقشور السطحية، في حين تشهد الكويت والسعودية نموّاً لمدرسة جديدة تعتمد على الكشوف الأثرية ورفع النقوش من صحراء شبه الجزيرة لتقديم سردية جديدة للتاريخ العربي الإسلامي لا تعتمد علي المرويّات والأحاديث الشفهية. بالنسبة إليّ، أهم اكتشاف في هذا المجال خلال العام الماضي، هو التعرّف إلى أعمال الأكاديمي عبد الهادي ناصر العجمي التي أعتقد أنها ستُحدث انقلاباً كبيراً في فهمنا للتاريخ العربي.


* كاتب من مصر

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون