وقفة مع: مروة مهدي عبيدو

وقفة مع: مروة مهدي عبيدو

08 يناير 2020
(مروة مهدي عبيدو، تصوير: سمية أحمد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "اخترت المسرح منذ البداية لأني آمنت ومازلت بأنه قادر على تغيير العالم وجعله مكاناً أفضل للعيش"، تقول الكاتب المسرحية المصرية.


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

يشغلني منذ سنوات، وضع العالم والبشرية وكيفية استخدام المسرح بشكل خاص والفنون بشكل عام، لخدمة ضحايا هذا الواقع. هناك شعور عميق بالعجز، حين نتابع الأخبار والإحصائيات اليومية، عن عدد الجياع والقتلى والفقراء والمطاردين في عالمنا اليوم. يمتزج ذلك بشعور بالعار، إذا ما انصبّ تركيز بعض الفنانين والمثقفين، على الجماليات الفنية والمهرجانات والفعاليات النخبوية فقط، مما قد ينتهي بنا إلى العيش في قوقعة ذهبية منفصلين عن العالم الخارجي.

لا أستطيع أن أتصور أن أعمل على عرض مسرحي لأغراض فنية وجمالية، دون وضع حال عالمنا في الاعتبار، لا يمكن أن أغمض عينيّ عن الذين ينتحرون يومياً في مراكب الموت، أو عن الجائعين أو القتلى على حدود البلدان. لابد أن يكون لإشكاليات العالم موقع على الخشبة المسرحية، ولابد من تفعيل دور الفن لإحداث التغيير الذي نحلم به لعالمنا. وينصبّ انشغالي في البحث عن طرق وآليات مختلفة لتنفيذ ذلك.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

في محاولة مني لاستخدام المسرح كوسيلة لدعم الأقليات والضحايا، قدّمت مشروع ورشة حكي "فضفضة"، اعتماداً على تراث الحكي النسوي العربي، وذلك مع مجموعات مختلفة من السيدات اللاجئات إلى أوروبا، وأعطيت لهنّ مساحة للتعبير عن أنفسهن بالحكي، فوق خشبة المسرح، وفي المجال العام، حيث سردن الكثير عن أنفسهن وعن معاناتهن ومعاناة أطفالهن وأسرهنّ وأوطانهنّ تحت وطأة الحروب والتهجير، وتعمّدت وضع ترجمة ألمانية لحكيهن، حتى يصل صوتهن للجمهور الألماني.

ومن أقرب مشاريعي الكتابية الى قلبي، المقال الشهري الذي يصدر لي بالألمانية والعربية، تحت عنوان "يوميات مهاجرة"، أكتب فيه عن مشوار الهجرة ومصاعبه، وأركز على المشاكل العنصرية التي يواجهها المغترب في ألمانيا. في الفترة المقبلة، أعمل على تنفيذ عدد من مشاريع التبادل الثقافي والمسرحي بين الوطن العربي وأوروبا، من خلال "مركز المسرح العربي والتبادل الثقافي" (تساتي)، الذي أتشرف بإدارته منذ سنوات، بهدف خلق جسور للتواصل والتفاهم بين الشعوب من خلال الفن.


■ هل أنت راضية عن إنتاجك ولماذا؟

لا أتصوّر أني سأكون يوماً راضية عن إنتاجي، مازالت أحمل الكثير من الأفكار والمشاريع في أدراج مكتبي، وأتمنى أن أحقق ولو نصفها. ربما أريد أن أساعد عدداً أكبر من البشر، وربما أحلم بأن تنتشر فكرة مسرحة الحكي النسوي، ليقدمها آخرون، لأن مجهودي الفردي لن يكفي أبداً. من ناحية أخرى، أحلم بترجمة عدد كبير جداً من الكتب، ولا يسع الوقت وربما لن يسع العمر لأحقق كل ذلك.

أؤمن بدور الترجمة في التقريب بين الثقافات، وفي تفعيل الحوار والتفاهم بين الشعوب، وارى أن الترجمة عن اللغة الأصلية أهم من النقل عن وسائط لغوية أخرى، وللأسف عدد المترجمين عن الألمانية في عالمنا العربي قليل جداً، ويعمل أغلب المترجمين عن الألمانية، على ترجمة الأدب بأنواعه، في حين أنني قد تخصّصت -عن قرار اتخذته منذ سنوات- في ترجمة الكتب المتخصصة في مجال المسرح، نظراً لكثرة التنظيرات النقدية الألمانية، وقلة الترجمات منها الى العربية.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟

كنت سأختار المسرح أيضاً، اخترته منذ البداية لأني آمنت ومازلت أؤمن بأن المسرح قادر على تغيير العالم وجعله مكاناً أفضل للعيش. والتاريخ يشهد على ذلك. ليس المجال هنا، للخوض في تنظيرات فلسفية عن وظيفة الفن ودوره في المجتمعات، ولكني أومن بقدرته على التغيير، وكل فنان أو مسرحي يغير العالم بطريقته الخاصة وبرؤيته الفنية.

أنا أحترم كل التجارب الفنية مهما كان توجّهها، لكني أحلم بمزيد من الانغماس في التجارب الحياتية المعاشة، خاصة في عالم اليوم، الذي يسيطر فيه تجار الأسلحة والساسة وأقلية من الانتهازيين على مصائر الأغلبية، مما أفرز الحروب والمجاعات، وغيّب العدالة. وهنا لا بد للفن أن يتدخل بقوة، ربما لإيقاف القتل، ولإحداث التغيير والتوجيه له، ودعم الأصوات القليلة المدافعة عن حقوق الضعفاء من البشر.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

ربما يبدو كلامي مثالياً، لكنه واقعي جداً بالنسبة لي، أنتظر أن يكون العالم مكاناً صالحاً للحياة لكل البشر على حد سواء. أنتظر أن يسود العدل، وتسود العدالة، أحلم بعالم خال من الحروب ومن الفقر ومن الجهل، عالم يعطى فرص متكافئة للجميع، بعيداً عن الحدود الجغرافية أو الاختلافات العرقية أو الثقافية، عالم يتشاركه الجميع، متجاوزين حواجز اللغة والحدود السياسية والاستعمارية، أحلم بعالم أكثر أمناً، خال من الخوف والكراهية. كما أنتظر من الفن، أن يكون له دور في رسم صورة عالمنا الجديد.


■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

وددت أن ألتقي الكثير من الفلاسفة الألمان؛ هيغل وماركس ونيتشه على وجه الخصوص. لقد بُنيت الفلسفة الحديثة على أفكارهم. وحلمت يوماً أن أتحاور معهم، وأفهم كيف استطاعوا أن يكون لهم نسق فلسفي متكامل، مستشرف لمستقبل العالم.

كما وددت أن ألتقي طه حسين ونجيب محفوظ وصلاح جاهين أيضاً، وددت أن ألتقي كل الشخصيات المتفردة، التي أثّرت كتابتها في تكويني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.


■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟

الأصدقاء كثر، وكذلك هي الكتب التي أعود إليها، خاصة في المجال البحثي. لكن هناك كتابا صغيرا اسمه "كيف تصنع أشياءً بالكلمات" (How to make things with words)، للمنظّر اللغوي الإنكليزي جون أوستن، لقد غيّر هذا الكتاب نظرتي للأشياء البسيطة والتفاصيل في العالم. وأعود إليه لحظة أود القراءة بعيداً عن العمل. كما أعيد قراءة رواية "خفة الكائن التي لا تحتمل" لميلان كونديرا، والتي أجد فيها عالماً فلسفياً مركّباً، أستعيد استكشافه مراراً مع كل قراءة.


■ ماذا تقرئين الآن؟

أقرأ كتاب "الأدائية" لإيريكا فيشر ليشته، وهو كتاب نظري في مجال فنون الأداء، استعداداً لترجمته للعربية. كما أنني بصدد قراءة مشاريع التبادل الثقافي المقدمة من العديد من فناني المهجر ذوي الأصول العربية.


■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

الموسيقى حاضرة بشكل دائم في حياتي، سواء للاستمتاع أو لتوظيفها في أعمال مسرحية أو مشاريع ثقافية بعينها. أركز على اختيار الموسيقى العربية، التي تناسب الذائقة الغربية، ومن ذلك اختياراتي ضمن مشروع "الموسم العربي"، لتقديم الثقافة العربية وفنونها للمتلقي الغربي في ألمانيا، والهدف هو تغيير التصوّر النمطي عن الثقافة العربية في الغرب، من خلال تقديم الفنون العربية التراثية، والموسيقى العربية، التي تعبّر عنا، وتفصح عما نملكه من حضارة وثقافة وفنون.


بطاقة
باحثة وناشطة ومترجمة مسرحية من مواليد القاهرة، تعيش في ألمانيا منذ حوالي 15 عاماً حيث تدير "مركز المسرح العربي والتبادل الثقافي" في برلين. صدرت لها في 2012 ترجمة كتاب "جماليات الأداء" لـ إيريكا فيشر ليشته، وفي 2018 أصدرت كتاب "مسرح ما بعد الدراما"، كما ساهمت في عدة كتب جماعية.

المساهمون