أبو الحارث البرواني.. خمس مقامات من زنجبار

أبو الحارث البرواني.. خمس مقامات من زنجبار

06 مايو 2020
(زنجبار عام 1924، Getty)
+ الخط -
تعدّ المقامة من الفنون السردية التي انفرد بها العرب، فلم يستعيروها من ثقافة أخرى ولم يكن من السهولة أن تنتقل إلى أيّ من الثقافات المجاورة، نظراً لاستخدام أصحابها أساليب بلاغية متعدّدة واختيارهم ألفاظاً غريبة وغير مألوفة، ورغم بنائها المحكم والمعقد نسبياً إلا أنها تحمل معنى عميقاً وعبرة ودرساً.

وقد ظهرت في القرن التاسع الميلادي على يد ابن دريد الدوسي رغم أن أول من برع فيها كان بديع الزمان الهمذاني بعد نحو مئة عام، لكن محاولات تجديدها استمرت حتى مطلع القرن العشرين، حيث وضع عدد من الكتّاب مقاماتهم مثل ناصيف اليازجي وأحمد فارس الشدياق ومحمد المويلحي وآخرين.

"قراءات سردية لمقامات أبي الحارث البرواني" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحث العُماني سعيد الصلتي، عن "دار الآن ناشرون" و"الجمعية العمانية للكُتاب والأدباء"، ويتضمّن دراسة في أحد آثار الفقيه واللغوي (1879 – 1953) الذي نُشرت للمرة الأولى في القاهرة عام 1914.

يندرج هذا العمل ضمن المقامات العُمانية، كما تعارف على تسميتها الدارسون، ومن أبرز كتّابها محمد بن سعيد القلهاتي، وسعيد الغشري، وابن زريق، مرورواً بالبرواني الذي ولد في زنجبار ورحل فيها، وصولاً إلى عبد الله بن علي الخليلي الذي يغدّ آخر من كتب المقامات.

البرواني، وفق الكتاب، ترعرع هناك في كنف والده ثم والدته وجدته العالمة الشيخة ريا بنت علي البروانية، ومن آثاره "رحلة أبي الحارث" التي طُبعت للمرة الأولى في زنجبار عام 1915، ثم أعيدت طباعتها في مسقط عام 2010م، بالإضافة إلى ديوان شعر فُقد في زنجبار بعد عام 1964.

يحلّل المؤلّف مقامات أبي الحارث بمكوّناتها السّردية وأولها العنوان الذي يشكّل بؤرة العمل وحمولته المكثّفة، وتحمل أسماء أمكنة مثل "السنجارية" و"الصحارية" و"العُمانية" و"المكية" و"النادية"، مستعرضاً كيف بدأت كلّ واحدة منها وإلى ماذا انتهت، وأن الرواي واحدٌ في جميعها واسمه هلال بن إياس، وأوصاف البطل فيها، وتقاطع السرد مع الوصف، وأنواع الحوار، واستخدام التناص الذي وقع أكثره مع الأمثال العربية.

يدرس الصلتي المكوّنات الفنية أيضاً، من حيث وظائف اللغة الانفعالية والإفهامية والانتباهية، والشعرية التي تبدو الوظيفة المركزية التي تلتفّ حولها باقي الوظائف الأخرى، كما ينبّه إلى أن الدّور الرّوائي في مقامات البرواني ليس حكراً على الرّاوي وحده، بل تشاركه الشّخصيّات الأخرى في ذلك وخاصّة البطل، ويتحوّل المكان إلى إنسان من خلال الاستعارة في المقامات الخمس، ويمكن حصْر الوظيفة الاجتماعية في مقامات البرواني في ثلاثة حقول دلاليّة: حقل الصّحراء والطّبيعة القاسية، وحقل المدينة والحضارة والخصب، وحقل الثقافة.

ويوضّح في الختام أن هناك بعض القضايا التي لم يعرض لها البحث وأهمّها، ومنها آليّات التّصوير، وتداخل الأجناس الأدبية، والمفارقات في بُنية المقامات، والمجتمع ونقده، والرّحلة ومكوّناتها، مشيراً أن المقامة تظل محتاجة إلى من يقوم بإعادة إحيائها من خلال الأخذ بيدها للتّخلص من الثّوب القديم، والتّحرّر من قيد الكلمات القديمة والمقالب التقليديّة، ونشْرها مدعّمة بالصّور التّوضيحيّة، أو تحويلها إلى مسرحيّات تمثّل على خشبة المسرح أو تحويلها إلى رسوم متحرّكة تقدّم هدفاً واضحاً.

المساهمون