"لا تنسَ أن تعيش" لبيير آدو: تمارين غوته الروحانية

"لا تنسَ أن تعيش" لبيير آدو: تمارين غوته الروحانية

01 ابريل 2020
(بيير آدو)
+ الخط -

يُعدّ بيير آدو أحد أبرز المتخصّصين في الفلسفة القديمة في العالم، وقد شغل لسنوات كرسيّ تاريخ الفكر الإغريقي والروماني في "الكوليج دو فرانس"، ووضع العديد من المؤلّفات التي تأثر بها مفكّرون فرنسيّون بارزون مثل ميشيل فوكو وميشيل أونفري وأندريه كونت-سبونفيل، منها "الفلسفة طريقة حياة"، و"القلعة الداخليّة"، و"أفلوطين أو بساطة النظرة"، و"التمارين الروحية والفلسفة القديمة".

يسعى الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي الراحل (1922 - 2010) في كتابه "لا تنسَ أن تعيش: غوته وتقليد التمارين الروحية" الذي تصدر نسخته العربية قريباً عن "الدار الأهلية"، بترجمة الشاعر وليد السويركي، إلى استخلاص فنّ عيشٍ وطريقة حياةٍ عند الشاعر والفيلسوف الألماني (1749 - 1832) من خلال دراسة أعماله وسيرته.

يدرس المؤلّف تمرين صاحب "آلام فيرتر" الأثيرِ الخاصّ بالتركيز على اللحظة الحاضرة، الذي يُمكّن المرء من أنْ يعيش بقوّةٍ كلّ لحظةٍ من لحظات الوجود، من دون أن يدعَ ثقِل الماضي أو سراب المستقبل يشتّتان انتباهه.

ويرى آدو الذي أحدثت دراساته ثورةً في مقاربة الفلسفة الكلاسيكية بوصفها طريقة حياة، أنّ غاية الفلسفة ليست تقديم نسقٍ مفاهيميٍّ لتفسير العالم، وإنّما إحداث تغييرٍ جذريّ في طريقة نظر الفرد للعالم وفي طريقته في الوجود، من خلال سلسلة من التمرينات الروحية.

يشير السويركي في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أن "مصطلح التمارين الروحية لا يحيل إلى أيّ بعد ديني بل إلى أفعال وممارسات تخص الذهن والخيال والإرادة، غايتها تكوين الذات وتغيير طريقة العيش والنظر إلى الوجود، وهي: التركيز على اللحظة الحاضرة، لاغتنام كل لحظةٍ من لحظات الوجود، والنّظرة من علٍ، بمعنى اتّخاذ مسافة تجاه الأشياء والأحداث، ورؤيتها بتجرّد من منظور كوني شاملٍ، والاحتفاظ بالأمل، وقول نعم للحياة، بمعنى القبول بالوجود وإنْ اشتمل على جوانب مؤلمةٍ أو مرعبة".

يضيف أن "الفيلسوف الفرنسي يرصد هذه التمارين ويحلّلها استناداً إلى روايات غوته وأشعاره، إضافة إلى سيرته الذاتية، ويبين كيف تنعكس في رؤيته للعالم وفي طريقة حياته، كما يضع تجربة غوته ضمن سياق تطوّر فكرة التمارين الروحية التي تخترق تاريخ الفلسفي الغربي من سقراط إلى نيتشه".

ويوضّح أن "المؤلّف يتتبّع تأثّر غوته بالفلسفتين الأبيقورية والرواقية اللتين جعلتا من بلوغ السكينة وسلام النفس غايتهما، فهما تؤْثِران الحاضر على حساب الماضي والمستقبل، وتطرحان كمبدأ، أنّ السعادة ينبغي أن تكون في الحاضر وحده، وأنّ لحظةً من السعادة تعادل أبديّة منها، وتدعوان إلى إعادة وضع اللحظة الحاضرة في سياقٍ كونيٍّ، والعثور على القيمةَ اللانهائية لكل لحظةٍ من لحظات الوجود".

"كما يتناول القرابة الروحية بين غوته ونيتشه، حيث يرى أنّ أفكار الأول حول الكينونة بوصفهِا خلقاً وهدماً دائمين، وتجاوز الفرديّةِ، والحدْس باللذّة الديونيزيّة، قد بشّرت كلّها بقدومِ الثاني وأثّرت في فلسفته"، يختم السويركي.

المساهمون