فيليب بوك: عنف القرون الوسطى في عصرنا

فيليب بوك: عنف القرون الوسطى في عصرنا

03 فبراير 2020
(من عنف "الحروب الصليبية" في القرن الثالث عشر، Getty)
+ الخط -

يروي المؤرّخ الفرنسي فيليب بوك PHILIPPE BUC أنه بدأ الكتابة في موضوع "المسيحية والعنف" على حافة الصحراء، حيث كان مشاركاً في مؤتمر بالمغرب بمناسبة إطلاق كتاب جماعي عن العنف والديانات المختلفة، وتحدّث آنذاك عن الفهم الغربي للإكراه، ساعياً إلى أن يفهم، كأيّ دارس، وكمتخصص في العصور الوسطى، كيف شكّلت الحرب تلك الحقبة بوضوح، ولكنه تنبّه أيضاً إلى أن أي قروسطي يمكنه أن يفهم اليوم لغة الرئيس الأميركي، ثم تطوّر الأمر إلى تساؤل عن ماذا يمكن أن تقول لنا السمات الخاصة بالمسيحية الغربية، التي انتقلت بمرور الوقت إلى ثقافات غربية ما بعد مسيحية، حول العنف الجماعي في الغرب؟

استحال هذا السؤال إلى مشروع أكبر، هو كتابه "الحرب المقدّسة، الاستشهاد والإرهاب، أشكال العنف المسيحية في الغرب"، الذي صدر مؤخراً عن "جسور للترجمة والنشر" بترجمة الكاتب السوري بدر الدين عرَوْدكي، وفيه يبحث بوك (1961) كعادته في العلاقة الشائكة بين الدين والسياسة، والكيفية التي شكّل بها اللاهوت الكثير من النزاعات، من الحرب اليهودية الرومانية (66 - 73م)، وصولاً إلى غزو العراق عام 2003، وعبر الثورة الفرنسية والحرب الأهلية الأميركية، وصولاً إلى عمليات التطهير الستالينية، وقد استدعى الكاتب هذه اللحظات التاريخية وغيرها، من أجل تسليط الضوء على النقاط المشتركة بينها وبين حالة الاستمرارية التي تربطها.

يأتي الكتاب في عدة فصول تناقش المقدمةُ الهدف من هذه المغامرة التاريخية التي يقوم بها بوك، ثم تناول الطريقة الأميركية للحرب، والتفسير المسيحي والعنف، والجنون والاستشهاد والإرهاب، والشهادة في الغرب: الانتقام والتطهير والخلاص والتاريخ، والحرب الوطنية المقدسة والإرهاب الطائفي، والحرية والإكراه، ومسألة التاريخ وصنع التاريخ، وغيرها.

قام المؤلّف في الكتاب بتوضيح التشابهات مثلاً بين خطاب رئيس الولايات المتحدة (جورج بوش الابن) لدى إعلانه "الحرب على الإرهاب"، في "بعض عناصر اللغة" مع رسائل البابا غريغوري السابع الذي تقلّد البابوية عام 1073، في أحد النماذج التاريخية التي ناقش فيها كيف أن الغرب المعاصر، الذي يصفه بـ"ما بعد المسيحية"، "يحمل بصمة ماضيه المسيحي".

في الفصل الأول، يُظهر المؤلّف كيف أن الحروب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية "تقليدية غربية"، ما يعني أنها تحمل "بصمة عميقة للمفاهيم المسيحية للحرية والنقاء والعالمية والشهادة"، ويفنّد خصائص تُقدَّم بها دعاية "الحروب الأميركية" على أنها "مرتبطة بالحالة الأخلاقية الأميركية"، وأنها حروب عالمية، وأنها من أجل "الحرية"، وأن "الأسباب الأميركية" يجري تقديسها بدماء "الشهداء" و"الأبطال"، كذلك فإن المفردات المستخدمة لوصف الحرب متساهلة في عنفها، فيقال: "الضربات" بدلاً من "القصف"، "وضحايا جانبيون".

الكتاب، على الرغم من أن مؤلفه متخصص في القرون الوسطى، إلا أنه يُبحر بين العصور من القديمة إلى العصر الحديث وحتى اللحظة المعاصرة والتاريخ المباشر، متسائلاً عن أثر العنف في اللاهوت المسيحي على عالم اليوم، ولهذا السبب يمكننا القول إن هذا العمل يمثل مساهمة جريئة حول العلاقات بين الدين والعنف المسلّح في العالم الغربي.

المساهمون