علي عبد الرءوف: "ميدان التحرير" من زوايا مختلفة

علي عبد الرءوف: "ميدان التحرير" من زوايا مختلفة

19 سبتمبر 2019
("ميدان التحرير" خلال ثورة يناير، تصوير: جوناثان رشاد)
+ الخط -

ركّزت معظم الدراسات التي تناولت واقع الاحتجاجات العربية التي اندلعت منذ عام 2011 على العوامل التي قادت إلى وقوعها، سواء تلك المتعلقة بطبيعة النظام السياسي وإدارته للمجتمعات، أو المتصلة بالواقع الاقتصادي وتعثّر التنمية وارتفاع معدلات الفساد.

"شعب وميدان ومدينة: العمران والثورة والمجتمع - القصة الإنسانية والمعمارية والعمرانية لميدان التحرير" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث المصري علي عبد الرءوف، الذي يستشرف فهماً جديداً لمدينة القاهرة، وتفسيراً مغايراً لعلاقة المجتمع، أو الشعب المصري، بالميدان، ملقياً الضوء على قدرة هذا الميدان المكانية على استيعاب الثوار، وتحوله من فضاء رسمي بارد إلى فضاء شعبي تملكه الجماعة الإنسانية.

يقدّم الفصل الأول، "الميدان: الروح والفضاء العام"، تحليلاً لما للفضاءات العامة من أبعاد مختلفة، وخصوصاً على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ثم يُسقط المستنتَج على حالة الفضاءات العامة في مصر، وبصورة خاصة في مدينة القاهرة، وينتهي بإبانة أنَّ ميدان التحرير هو بالفعل ميدان عام (وظيفياً وعمرانياً)، مورس فيه نشاط مجتمعي محدَّد، لكن مع حدود قصوى من الفوضى والقمع؛ ما أدى بالضرورة إلى قيام ثورة 25 يناير، أي نضال شعب عبر الميدان.

يذهب المؤلف في الفصل الثاني، "قصة الميدان والشعب"، إلى أنه على الرغم من أنّ ميدان التحرير لم يكن مصمَّماً ليكون ممثَّلاً للفضاء العام الأكثر أهميةً في حياة الشعب المصري، خصوصاً طبقتيْه المتوسطة والبسيطة، فإنّ مراجعة تاريخ هذا الميدان، ولا سيما تاريخه في التعبير النضالي، تفسّر القيمة الرمزية التي جعلت ثوار 25 يناير يختارونه مسرحاً لبطولاتهم التاريخية غير المسبوقة، ويجعلونه محور اهتمام العالم في أطول ثمانية عشر يوماً (25 كانون الثاني/ يناير 2011 يوم انطلاق الثورة - 11 شباط/ فبراير 2011؛ يوم تنحّي حسني مبارك) في حياة الشعب المصري المعاصرة وأكثرها قيمة وأهمية.

يرى عبد الرءوف في الفصل الثالث، "ثورة ميدان: الميلاد الجديد للفضاء العام"، وانطلاقاً من تسبّب صفحة على موقع فيسبوك في إطلاق شرارة ثورة 25 يناير في مصر، تجسّدت في الفضاءات الافتراضية وفي الشوارع على حدّ سواء، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمنزلة ساحة للتحرير، بل أن كانت تعمل أيضاً بوصفها ساحة تتنافس فيها القوى المختلفة على جذب عقول الشباب.

أمّا الفصل الرابع، "البداية الجديدة للميدان: رؤى واستشراف"، فاتخذه المؤلف مجالاً ليناقش حالة ميدان التحرير الذهنية الجديدة التي أنتجتها ثورة 25 يناير، فضلاً عن مناقشة دور المجتمع المصري في رسم ملامح مستقبل هذ الميدان، ويبلور تحديات صوغ رؤية مستقبلية للميدان، ومنهجية تأكيد قيمته بوصفه رمزاً للحرية وميداناً للشعب. وينتهي الفصل باختبار الموقف المحلي والإقليمي والعالمي للميدان، والطرح المعماري والعمراني لتشكيل مستقبله، خصوصاً من شباب المعماريّين والعمرانيّين الذين شارك بعضهم في الثورة فعلاً.

يختم عبد الرءوف الكتاب بالفصل الخامس، "تحولات الصورة البصرية والذهنية لميدان التحرير من المقدَّس الى المدنَّس"، بالتعامل مع فرضية جوهرية قوامها أنّ التحوّل التدريجي، على مدار الأعوام السبعة الماضية، في الصورة الذهنية والبصرية والوجدانية لميدان التحرير من فراغ مقدَّس إلى فراغ مدنَّس، هو مشروع متعمَّد بهدف إهدار الطاقة الثورية وتشتيتها، وإجهاض دور الفضاء العام في مصر. 

المساهمون