"الأنوات المشوّهة" لرامي أو شهاب: عصر النهضة مجدّداً

"الأنوات المشوّهة" لرامي أو شهاب: عصر النهضة مجدّداً

22 اغسطس 2019
رشيد قريشي/ الجزائر
+ الخط -

لا تزال أسئلة النهضة العربية، التي انبعثت في القرن التاسع عشر، حاضرةً إلى اليوم في حقل الدرس المعرفي، محاولةً إعادة فهم مرحلة مؤسّسة في الوعي والثقافة ربما تحتاج كثيرٌ من خلاصاتها حول الذات والآخر والتراث والحداثة، إلى مزيد من التفكيك والمراجعة.

يُعيد كتاب "الأنوات المشوَّهة: مقاربات في التنوير والمعرفة واللغة" للباحث والناقد الفلسطيني رامي أبو شهاب، والذي صدر حديثاً عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر"، طرح العديد من هذه الأسئلة، ومنها تطابق مواصفات المثقّف وشروطه على الأسماء التي اعتبرتها السردية المدرسية روّاداً ومثقّفين اضطلعوا بالتأسيس للوعي العربي الحديث.

يسعى المؤلّف إلى تحليل التشوّهات الحضارية، التي تمس المشروع النهضوي التنويري العربي، الذي تعرّض للتشويه والهدم، نتيجة فقدان أحد أهم عوامله، ولا سيما الاشتراطات المفاهيمية والإجرائية التي ترتبط بمفهوم المثقّف، ودوره، حيث يرى بأن النهضة لم تُنجَز، وبناءً عليه، فإن التنوير لم يكتمل، فكلا العمليتين خرجتا عن مسارهما، لأن المثقف ارتهن لقوى متعالية، منها السلطة والموروث والتغريب، أو الارتهان إلى الذات.

ينتقل الكتاب إلى رصد أزمة النموذج؛ حيث يرى أن المثقّف العربي لم يتمكّن من اجتراح تصوّرات لحلول ناجعة للأزمتين الفكرية والحضارية، وبدا عاجزاً وعقيماً تجاه مواجهة التحديات التي تحول دون الانحياز لقيم العدالة والحق والحرية، اتكاءً على ما أشار إليه إدوارد سعيد في سياق مناقشة مفهوم المثقف ودوره، والتي تكمن في الحيرة بين العقلاني، وما خارج العقل، وبين المعقول والمؤسطر.

يتطرّق أبو شهاب إلى ارتهان روّاد النهضة العربية إلى عدد من المرجعيات التي تعني قيمة سلطوية مطلقة بغض النظر عن تمظهرها، مثل السلطة السياسية والدين والطائفة والآخر الغربي، وحتى مصلحة الذات، حيث تتعالى هذه المرجعيات لتقوض دور المثقف، وتجعله فارغاً بلا دلالة أو معنى.

ويستحضر هنا نماذج عدّة مثل جمال الدين الأفعاني، الذي رأى أنه كان أسير تصوراته الذاتية لأزمة الأمة، ورفاعة الطهطاوي كمثال عن هيمنة المؤسسة وامتلاكها المثقف، وخير الدين التونسي الذي يلاحظ الكاتب أن الفترة التي فارق فيها الوظيفة السياسية جعلته أقرب إلى ممارسة دور المثقّف، وينسحب الأمر على آخرين كبطرس البستاني الذي لم يخرج عن دور التنويري التقني ويمارس النقد تجاه السلطة.

ويذهب الكتاب إلى القول بأن مثقّفي عصر النهضة في المنطقة العربية سعوا لاستجلاب أنساق جاهزة لفعل تحديثي يغيّر مظاهر الأشياء، وهذا ما جعل من عمليات الدعوة إلى الحرية والعدالة والتعليم ونبذ الجهل أنساقاً شعاراتية لا تمتلك أدوات تطبيقها، كونها لم ترتبط بإزاحة منظومات مستقرّة في العقلية العربية.

ويخلص أبو شهاب إلى أن المشروع النهضوي التنويري لم يكن سوى عملية تحديث جاءت بوصفها حتمية تاريخية، غير أنها لم تمس الأسس الحقيقية لفعل التنوير، والدليل على ذلك أنَّ العالم العربي، وفقه، لم يتمكّن من تحقيق أي إنجاز حضاري في القرون الأخيرة، بل على العكس من ذلك، تعرّض إلى هزائم متعددة، وما زال يعاني من إشكاليات عميقة تتّصل بتحقيق الحرية والمساواة والعدالة، علاوة على فقدان الاستقرار السياسي أو الاقتصادي، فهو يقبع في وضع بيني مشوّه، يطبعه التنازع بين قيم الموروث والرغبة في تبنّي النموذج الحضاري الغربي.

يناقش الكتاب أيضاً الإشكاليات المعرفية، ولا سيما البحث العلمي في العالم العربي، بالإضافة إلى العوائق التي تحول دون إطلاق طاقات العقل وصولاً إلى التنوير. وفي المحور الرابع تتخذ اللغة جزءاً من أطروحة الكتاب ـ من وجهة نظر ثقافية ـ حيث يقرأ الباحث علاقة اللغة بالتاريخ، وأيهما يخون الآخر.

المساهمون