"الهامشية في الأدب التونسي": دون أحكام مسبقة

"الهامشية في الأدب التونسي": دون أحكام مسبقة

08 مايو 2019
حاتم المكي/ تونس
+ الخط -
لاعتباراتٍ تداخَل فيها السياسي بالثقافي، عرف الأدب التونسي مجموعة من الاختزالات، حيث حُصرت مجالات إبداعية في أسماء قليلة، كما جرى تكريس صور نمطية حول النصوص باتت تحكم قراءتها. لكن مع تقلّص منسوب الوصاية السياسية على الأدب والنقد والحياة الأكاديمية، في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر توجّهات لدراسة الأدب التونسي من خارج الصورة الجاهزة التي تراكمت حوله.

من ذلك كتاب "الهامشية في الأدب التونسي.. تجربة جماعة تحت السور"، الصادر عن "دار الجنوب" مؤخّراً، للباحثة التونسية ابتسام الوسلاتي، والذي تعود فيه إلى فترة مبكّرة في تاريخ الأدب التونسي شهدت ظهور نزعات إبداعية حاولت أن تتحرّك خارج السائد الاجتماعي والثقافي لتجد نفسها شبه مقصاة من الدرس الأدبي والذاكرة الرسمية.

عن منطلقات الانشغال بالهامشية في الأدب التونسي، تقول المؤلفة في حديث إلى "العربي الجديد": "يندرج هذا الاختيار في سياق التعرّض إلى إحدى المحطات التي مرّ بها الأدب التونسي خلال النصف الأول من القرن العشرين؛ إذ سبق أن أصدرت كتاباً بعنوان "الشعر العصري التونسي 1900-1930"، وقد تمكنت طوال مراحل هذا البحث من التعرُّف على تراث زاخر من النصوص الشعرية التي حاول أصحابها التمرُّد على النموذج الكلاسيكي والتأسيس لتجربة مغايرة تواكب التحوّلات الحاصلة في الواقع التونسي خلال تلك المرحلة".

تضيف: "من هنا بدأت عناصر الشك تتسرّب إليّ وتسائلني في رجحان الآراء التي تقضي بتسليط الضوء على تجارب بعينها، باعتبارها علامة مميزة لهذه المرحلة أو تلك، وفي المقابل تُقصى تجارب أخرى وتسلب حقها في الإضافة التي حقّقتها للأدب التونسي. وينسحب ذلك على تجربة "جماعة تحت السور" خلال الثلاثينات من القرن العشرين. فحاولت من خلال هذا العمل التوقّف عند خصوصيّات هذه التجربة وتقييم منجزها بعيداً عن الأحكام العاطفيّة، ومثّلت الرؤية الهامشيّة مدخلاً حاولتُ من خلاله قراءة نصوص هذه الجماعة، لا لمجرّد التغنّي الرومانسي بوضعية مؤقّتة، بل إنّني سعيت إلى تحليل مختلف الأعمال الصحافية والمسرحية والغنائية والنصوص القصصية والقصائد الشعرية في ضوئها".

عن هذه الصورة التي تكرّست حول "جماعة تحت السور"، تقول الوسلاتي: "جرت مقاربة الجماعة انطلاقاً من أحكام مسبقة ذات منطلقات أخلاقية ومعيارية تعتبرها جماعة منحرفة، ولم تر فيها قدرتها على رسم أفق جديد للكتابة خرج عن الأنماط السائدة وكسر حجب الصمت واخترق المسكوت عنه".

تتابع: "ميزة هذه الجماعة تكمن في قدرتها على تجاوز الأزمة وتحويلها إلى أعمال إبداعية حملت رؤية جديدة واصطبغت بأفكار مختلفة لم يكن للمتلقّي سابقُ عهدٍ بها، ذلك أنّها انطوت على عناصر تجديد تتماشى مع شذوذها الأدبي والفنّي، ممّا خلق ردّة فعل عنيفة أدّت إلى تهميش دورها في خلق ديناميكية في المشهد الثقافي، وهو ما شكّل عامل إحباط لأفراد هذه الجماعة انضاف إلى إحباطات الواقع المؤلم الذي كان يحيط بهم. فلم يزدهم ذلك إلاّ تقوقعاً على الذات وإصراراً على إفراغ شحنة السخط والنقمة على وجودهم بتخريب أجسادهم بشتّى الموبقات".

من هنا تعتبر الوسلاتي أنّ "هامشية هذه الجماعة هي تشكيل فكري ذو وجهين: فهي في وجهها الأول هامشية فنّ ثار عبره هؤلاء المبدعون على السائد وعبّروا عن موقفهم من المجتمع، وذلك برفض منظومته القيمية وتقديم البديل من خلال ممارسة إبداعية تتماشى مع طبيعة المرحلة وخصوصية تفاعلهم معها. أمّا الوجه الثاني لهذه الرؤية الفنية فتتعلّق بهامشية الإنسان الذي يقرّر موقعه، وبذلك شكّلت الهامشية اختياراً واعياً استجاب فيه أفرادها لطبيعة تكوينهم النفسي والفكري. وكان هذا البحث محاولة للإحاطة بتجربة هذه الجماعة التي تعدّت الاهتمام بالهامشي كمتن لتتحوّل إلى عقيدة ونهج فكري في الحياة والسلوك واختيار الأجناس التي يعبرون من خلالها".

يأتي كتاب "الهامشية في الأدب التونسي" في إطار الدراسات الأدبية التي تجعل من النصوص التونسية موضوعاً لها، وهو مجال يصعب القول بأنه مزدهر في تونس. فكيف ترى الوسلاتي واقع هذه الدراسات؟

تقول محدّثتنا: "هناك مشاريع جادّة في مجال الدراسات الأدبية في تونس تحاول مقاربة المنجز الشعري والنثري بمختلف أجناسه على تنوّعه وعمقه وغزارته ولدينا تقاليد راسخة في مجال النقد الأدبي، نتحدّث عن أسماء تمكّنت من تقديم إسهامات عديدة في هذا المجال وكانت تجاربها نموذجية عبر السعي إلى خلق أشكال تواصلية تنطلق من الدرس الأكاديمي داخل الفضاء الجامعي نحو تأسيس ممارسة ثقافيّة تواكب العمل الثقافي، أيّ فتح أسوار الجامعة على الإبداع التونسي ومقاربته في فرادته وخصوصيته من خلال وضع ركائز ممارسة نقدية تنطلق من المراكمة المعرفية التي لعبت فيها الجامعة التونسية دوراً بارزاً، بالإضافة إلى الانفتاح على المنجزات الإبداعية وهذا هو التحدي الحقيقي".

من زاوية أخرى، تلفت الباحثة التونسية إلى أن "الاشتغال على تحقيق هذا المشروع النقدي والارتقاء به إلى تأسيس مدرسة نقدية تونسية ما يزال بحاجة إلى أقلام النقّاد والباحثين لاستجلاء كوامن الأدب التونسي وخفاياه وكشف درره".

المساهمون