"في النظرية" لـ إعجاز أحمد: نقد الاستشراق المضاد

"في النظرية" لـ إعجاز أحمد: نقد الاستشراق المضاد

02 ابريل 2019
(إعجاز أحمد)
+ الخط -

يرتبط اسم المفكّر والناقد الهندي إعجاز أحمد (1932) بجملة سجالات لا تزال تثير الجدل حولها، سواء في نقضه لما اصطلح عليه باسم "أدب العالم الثالث"؛ حيث العالم لا ينقسم إلى ثلاثة إنما هو عالم واحد، تترسّخ وحدته بالصراع والتناقض ما بين الرأسمالية والاشتراكية في مستويات متعدّدة على اختلاف كلّ مجتمع عن آخر.

تنظيرات الأستاذ الجامعي الماركسي ابتدأها في كتابه الشهير "في النظرية: طبقات، أمم، آداب" الذي صدر عام 1992، واستندت إلى رفضه أساساً انتقاد بنية النظام القائم باعتبارها تمثيلاً لفكرة، بل هي تعبير عن الفعل الكوني ضمن نمط الإنتاج الرأسمالي، وحين يُراد تأسيس فعل مضاد من الأدب العالمثالثي فإن ذلك يُضمر استشراقاً مضاداً.

صدرت حديثاً ترجمة الكتاب ضمن سلسلة "ترجمان" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ونقله إلى العربية المترجم السوري ثائر ديب. يتصدّر الكتاب مدخلٌ بعنوان "الأدب بين علامات زمننا"، يضم عرضاً مجملاً للجدل الأساسي بين الإمبريالية وتصفية الاستعمار والنضال من أجل الاشتراكية، والذي يشكّل وحدة العالم المتناقضة.

يشير أحمد في مؤلّفه إلى معضلة رئيسية تتعلّق بالنظرة المثالية تجاه الثقافة والأدب، خصوصاً حيث الانطلاق من النصوص في ثقافة أو موروث كلّ أمّة في العالم الثالث يعني بالضرورة مقاومة معادية للإمبريالية وبالتالي انعتاقاً من الاستعمار وتحرّراً من هيمنته التي تصبح كلّ مخططاته وسلوكياته تعبيراً عنها، في إغفال عن عوامل أخرى ترتبط بتنافس القوى الاستعمارية في ما بينها مثلاً.

يتحفّظ الكتاب على منهج إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" الذي يذهب - بحسب إعجاز أحمد - في التعميم ليخلص إلى أن الغرب يخترع الشرق منذ القدم، حيث الحدود تتضح منذ الملاحم الإغريقية وصولاً إلى كتابات المستشرقين، بينما لا يعتقد أحمد بأن مقولات الفلاسفة اليونان كانت تعبيراً عن الغرب كما جرى تخيله في عصر النهضة في أوروبا.

يفنّد المؤلّف الخلط الدائر بين الاستشراق وبين الاستعمار، حيث يمثل الأخير ظاهرة حديثة لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحوّلات الاقتصادية الكبرى في العالم، لا من خلال الاعتماد فقط على تمظهرات الخلاف بين "شرق" و"غرب" في النصوص الأدبية والتعبيرات الفنية المختلفة.

نقطة جوهرية أخرى يدرسها أحمد من خلال انتقاده لكيفية تأويل إدوارد سعيد لمقولات ماركس حول الهند والاستعمار على اعتبار أنها امتداد لأدبيات المستشرقين، غير ملتفت إلى أن المفكر الألماني كان يتحدّث في سياق تغيير جذري للأوضاع الاجتماعية في الهند في مقارنة بين نمط الإنتاج في أنظمتها التي سبقت الاستعمار البريطاني وبين نمط الإنتاج الرأسمالي، ولم يتخذ في تحليله موقفاً عنصرياً، كما أنه لم يكن قد شهد فظائع الاستعمار بعد.

يتألف الكتاب من ثمانية فصول؛ هي: "النظرية الأدبيّة و’أدب العالم الثالث‘: بعضُ السِّياقات"، و"لغاتُ الطبقة، أيديولوجيات الهجرة"، و"بلاغةُ الآخريّةِ لدى جيمسن و"الأمثولةُ القوميّة‘"، و"رواية ’العار‘ لسلمان رشدي: الهجرة ما بعد الحديثة وتمثيل النساء"، و"الاستشراق وما بعده: التجاذب الوجدانيّ والموقع المتروبوليّ في أعمال إدوارد سعيد"، و"ماركس والهند: توضيح"، و"الأدب الهندي: ملاحظات باتجاه تعريف مقولة"، و"نظرية العوالم الثلاثة: نهاية جدال".

تبدو ترجمة هذا الكتاب لإعجاز أحمد بمثابة إطلالة جديدة للمفكر الهندي الشهير على القارئ العربي، ونتذكر هنا واحدة من إطلالاته القليلة في السنوات الأخيرة، أي محاضرته في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة في كانون الأول/ ديسمبر 2014. 



المساهمون